|
شؤون سياسية بعد أن صارت هناك معزوفة واحدة تعزف على أوتارها معظم القوى السياسية بأنها العلاج الشافي لكل أمراض الأمة العربية التي استعصت على العلاج طوال العقود الأخيرة، لما لا والرئيس الأمريكي باراك أوباما هو بطلها الأول، الذي يعول عليه العرب كثيراً. ورغم أن التسريبات التي خرجت لا تحمل كثيراً من الخير للعرب، لكنهم ربما وجدوا ضالتهم فيها، فهذه المبادرة الأوبامية ستتضمن عقد مؤتمر دولي للسلام، شبيه بمؤتمر مدريد، يحضره قادة إقليميون ورؤساء الدول الأساسيون في الدول الإسلامية والعالم، وأن يتم بالتزامن مع هذا المؤتمر، إجراء مفاوضات ثنائية مكثفة بين الإسرائيليين والعرب، بمشاركة أمريكية قوية، تهدف إلى تضييق شقة الخلافات وتليين الموقف، وأن يحدد أوباما الخطوط العامة للسلام النهائي على المسارات كافة، وسيقوم بالعمل على حشد دعم كل دول العالم الإسلامي وغير الإسلامي لفكرة التسوية الشاملة. لكن السؤال المهم هنا: هل تقدم خطة أوباما للسلام تسوية عادلة لقضايانا العربية وهل يتمكن من الصمود أمام الضغوط الإسرائيلية واليهودية في الولايات المتحدة الأمريكية، والتي تتمتع بنفوذ كبير داخلها؟! يعتقد المتابعون الأمريكيون والعرب للسياسة الخارجية، وللمواقف وللتحركات التي يقوم بها الرئيس الأمريكي باراك أوباما، أن هذا الأخير يواجه تحدياً حقيقياً من جانب إسرائيل، بوصفها حليفاً استراتيجياً، يقوم بدور وظيفي لمصلحة الولايات المتحدة، لا تتخلى عنه وعن مواقفه وسياساته بسهولة إزاء قضية الصراع العربي- الصهيوني. ورغم أن خطة أوباما ليست واضحة المعالم حتى الآن، لكن هناك مخاوف من عدم إمكانية أن تستجيب هذه الخطة للحقوق الوطنية المشروعة للشعب الفلسطيني، وخاصة حقه في إقامة دولته المستقلة، وعاصمتها القدس، على الأراضي المحتلة عام 1967، وحق عودة اللاجئين الفلسطينيين، بل هناك اعتقاد بأن الهدف من وراء هذه الخطة، هو تحقيق التطبيع بين العرب وإسرائيل، مقابل وقف الاستيطان وليس إزلته، وخصوصاً أن الإدارة الأمريكية الجديدة ركزت جهودها لتصوير القضية برمتها، وكأنها خلافات بشأن الاستيطان، كما ألحت على الفلسطينيين والعرب لإعلان قبولهم إسرائيل دولة لليهود، بل أعلنت أن على العرب تقديم مبادرات حسن نوايا، كي يطمئن الإسرائيليون بأن العرب جادون في السلام، ومن هذه المبادرات أن يقوم العرب- كلهم أو بعضهم- بخطوات تطبيعية مع الإسرائيليين، مثل: فتح الأجواء والمياه والأراضي العربية أمامهم.. في مقابل هذا تضغط الإدارة الأمريكية على الإسرائيليين، كي يعلنوا تجميداً مؤقتاً للاستيطان في الضفة الغربية، هذا يعني تقليص وتلخيص الصراع العربي- الصهيوني وتركيزه في ناتج وحيد من نتائج العدوان والاحتلال، فكل ما حدث في المنطقة من حروب- منذ عام 1948 كان نتيجة اغتصاب الحق العربي في فلسطين وتشريد أهلها، ومن ثم كل الحروب الأخرى من 1956 إلى العدوان على غزة كانت نتيجة المشروع الصهيوني الاحتلالي والإحلالي، وعليه فإن طرح المبادرة الأمريكية من هذه الزاوية فيه الكثير من التجني على الوقائع، والسعي لتلفيق الحقائق والأحداث، ولي أعناقها تماماً. وللأسف الشديد أصبح موقف الإدارة الأمريكية قريباً جداً من موقف حكومة نتنياهو، بعد الخلاف المزعوم بين واشنطن وتل أبيب.. وإذا كان بيل كلينتون قد قدم لعرفات ورقة أمريكية أعدها الإسرائيليون في كامب ديفيد، ورفضها عرفات، فأوباما بدأ يقترب من أفكار نتنياهو أكثر، فبدأ يروج للتطبيع المجاني مع إسرائيل، مقابل منح الفلسطينيين حكماً ذاتياً تحت عنوان الدولة الفلسطينية، ضمن مشروع حل الدولتين. لذلك، على العرب- والفلسطينيين في مقدمتهم- الإعلان عن رفضهم أي مبادرة لا تبدأ بالإعلان غير المشروط عن قبول المبادرة العربية للسلام، كونها الحد الأدنى المتفق عليه عربياً، ولا بد كذلك من إفهام الطرف الأمريكي أن التطبيع لن يكون إلا نتيجة زوال أسبابه وأسباب الحروب في المنطقة. إن المطلوب الآن أن يستخلص أوباما العبر التي حدثت في هذا المسار خلال العقدين الأخيرين، وأن يتفادى الوقوع في الأخطاء التي وقع فيها كل من بيل كلينتون وبوش الابن، فالمسألة ليست مجرد التقدم بمبادرات وتصورات على الورق، بل إنها أولاً مسألة أن تلعب الولايات المتحدة دور الوسيط المحايد فعلاً، وثانياً أن يتسلح بالحزم، وأن يلزم بنيامين نتنياهو بما يحقق هذه الرؤية. كاتب وصحفي مصري |
|