|
شؤون سياسية وانعكاساته على جنوب القارة ودولها. كذلك ضرورة اتخاذ تدابير وطنية وقارية من شأنها تعزيز الأمن والاستقرار في القارة، وقطع الطريق على محاولات التدخل الأجنبي في شؤونها دولاً وقارة. بداية تجدد الإشارة إلى أن الاتفاق العسكري الأميركي- الكولومبي يسمح للقوات الأميركية استخدام سبع قواعد عسكرية كولومبية تغطي مجموع أراضي البلاد، وبضمنها المناطق الحدودية مع جوارها. وأن اتفاق التعاون هذا، وإن تذرع بمكافحة «الأرهاب» وتهريب المخدرات، فإنه يمثل حلقة جديدة على طريق تعزيز العلاقة الخاصة التي تجمع الدولتين، وتمثل حسب رأي غالبية دول القارة تهديداً لأمنها واستقرارها، وتدخلاً مباشراً في شؤونها الداخلية والسيادية. وشهدت الفترة القريبة الماضية التي أعقبت التوقيع على هذا الاتفاق تصريحات تنديدية شديدة اللهجة وخاصة من قبل قادة دول الجوار الكولومبي (فنزويلا، الاكوادور، بوليفيا... الخ) ومحاولات عدد أخر منها التوصل إلى مواقف قارية مشتركة تجاه هذا الاتفاق وتداعياته كما تجدد الإشارة هنا أيضاً إلى العلاقات المتوترة التي شهدتها ولا تزال العلاقات الكولومبية- الفنزويلية (رغم إعادة السفراء بينهما قبل أسابيع قليلة)، وإلى التوتر الذي ساد العلاقات الكولومبية- الاكوادورية مطلع العام الماضي بسبب من انتهاك كولومبيا سيادة الاكوادور والاعتداء على أراضيها، عندما اجتازت قوات كولومبيه الحدود المشتركة، واغتالت الرجل الثاني في القوات المسلحة الثورية الكولومبية (فاراك) راوؤلك ربيس وأدت أنذاك إلى قطع عدد من دول أميركا الجنوبية واللاتينية علاقاتها مع نظام الرئيس الكولومبي الفارو أوريبي. ودون الخوض في حيثيات الوضع الداخلي الكولومبي (نظام ومعارضة)، على أهميته، وانفرادها عن مجموع دول أميركا الجنوبية واللاتينية بعلاقات خاصة مع الإدارات الأميركية السابقة، فإن الاتفاق يضيف عنصر توتر جديداً في القارة، بعيد انقلاب هندوراس، وإبعاد الرئيس المنتخب مانويل زيلايا من جهة، (تداعت دول جنوب القارة الأميركية إلى قمة طارئة أدانت الانقلاب وجمدت عضوية هندوراسي في هذه المنظمة)، ويضع علامات استفهام حول كيفية تعافي الإدارة الأميركية «الديمقراطية» الجديدة مع شعاراتها عدم التدخل في شؤون الدول الأخرى، وضرورات الحوار والتشارك... الخ من جهة ثانية فضلاً عن ضرورة تحديدها لطبيعة علاقاتها وحدود توجهاتها مع دول أميركا الجنوبية واللاتينية بعيد التغيرات التي شهدتها ولا تزال القارة منذ سنوات قليلة. فقد أكد البيان الختامي في قمة «آوناسور» التي عقدت في مدينة باريلوتشي الأرجنتينية، أن:(رؤساء الدول يؤكدون مجدداً أن وجود قوات عسكرية أجنبية ليس من شأنه سوى تهديد سلامة وسيادة أي دولة أميركية جنوبية، وتالياً السلام والأمن في القارة). كما دعا الرؤساء المشاركون إلى:(اجتماع طارئ لوزراء الخارجية والدفاع في دولهم كي يضعوا تدابير لتعزيز الثقة والأمن). ورغم ساعات النقاش الطويلة التي شهدتها قمة آوناسور أنشئت هذه المنظمة في أيار عام 2008 فإن البيان الختامي يمثل إدانة واضحة للوجود العسكري الأجنبي من جهة ويحاول الحفاظ على تفاهم وتوجه ولغة مشتركة أميركية جنوبية من جهة ثانية. وهذا ما أعلنته رئيسة الأرجنتين كرستينا كير شنر:«لقد حددنا نظرية وموقف مشترك حول مخاطر انتشار قوات أجنبية في أميركا الجنوبية واللاتينية... إن البعض كان يتوقع أن تشهد هذه القمة فشلاً ذريعاً لكننا استطعنا النقاش علناً وتجاوز هذه المعضلة كذلك تأييد العديد من زعماء القمة لاقتراح الرئيس الاكوادوري افاييل كوريا ضرورة عقد لقاء يجمع زعماء دول أميركا الجنوبية مع الرئيس الأميركي باراك أوباما، يناقش طبيعة التعامل الأميركي القائم والمستقبلي مع أميركا الجنوبية- اللاتينية دولاً وقارة. ورغم «التوافق» الذي أكده البيان الختامي لقمة باريلوتشي، ورفض قادتها التدخل الأجنبي في شؤونها، فإنه لا بد من الإشارة إلى عدد من المسائل، منها: تنوع توجهات تيار التغيير، الذي وصل إلى السلطة في عدد كبير من دول القارة عبر انتخابات ديمقراطية خلال السنوات القليلة الماضية، مابين اتجاه يساري تدعمه القوى والرموز التقدمية (فنزويلا، بوليفيا، الاكوادور، فضلاً عن كوبا وتجربتها الثورية الغنية)، إلى يسار الوسطى الذي يقود تياراً عريضاً يضم في صفوفه أيضاً قوى اليسار والديمقراطية والتقدم (البرازيل مثلاً). فضلاً عن اتجاه ثابت يمثله الاشتراكيون- الديمقراطيون الذين تدعمهم أيضاً قوى التغيير الأخرى على اختلاف توجهاتها (الأرجنتين، تشيلي.. الخ). الخشية من توسع دائرة التدخلات الخارجية بعيد التحرشات المستمرة من قبل نظام أوريبي في كولومبيا، والتوقيع على الإتفاق العسكري مع أميركا، واستخدام لافتات محاربة المجموعات «الإرهابية» وتهريب المخدرات لأهداف أخرى، بضمنها الضغط على دول تيار التغيير الأميركي الجنوبية- اللاتينيا بتياراته وتواجهاته، وخاصة بعيد الانقلاب في هندوراس نهاية شهر حزيران الماضي، وتأييد المؤسسة العسكرية لهذا الانقلاب اللاشرعي وعلامات الاستفهام الكبيرة حوله وطنياً وقارياً. كيفية تعاطي الإدارة الأميركية «الديمقراطية» مع محيطها، وحقيقة موقفها من الاشكاليات التي تشهدها القارة، انسجاماً، على الأقل مع شعاراتها الانتخابية أولاً، وتصريحات أركان البيت الأبيض المتكررة ثانياً، حول احترام حقوق الشعوب ورفض الحروب الاستباقية والتدخل في شؤون الدول الأخرى.. الخ. ويبقى السؤول الرئيسي: هل ستشكل «اشكاليات» أميركا الجنوبية- اللاتينية مقياساً عملياً لكيفية تعاطي إدارة أوباما مع الدول الأخرى وفي الصدارة جوارها؟. باحث في الشؤون batal.m@scs-net">الدولية batal.m@scs-net |
|