تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


حـول الغــزو الثقافـي

ثقافـــــــة
السبت 30-3-2013
عماد جنيدي

حسب رؤية ابن خلدون مؤسس علم الاجتماع، فالأمم المغلوبة تأخذ بثقافة الأم الغالبة.

حضارياً كانت بغداد في القرن الرابع الهجري عاصمة للثقافة العالمية فازدهرت حركة الترجمة في الآداب والعلوم، فالمجموعة القصصية، كليلة ودمنة،‏

هي على الأغلب من تأليف فارسي هندي وقام بتعريبها عبد الله ابن المقفع، وهي ما تزال تصلح إلى يومنا هذا كقصص على ألسنة الحيوانات، تسحر عقول اليافعين وتغني رؤى كتّاب قصص الأطفال المبدعين.‏

ثقافة وآداب وعلوم القرن الرابع الهجري كانت ذات طابع أممي، ويكفي للتدليل على ذلك أن نشير إلى أن واضعي قواعد النحو العربي والبلاغة وحروف التنقيط وأوزان الشعر هم من أصول غير عربية ولكنهم كانوا نتاج الثقافة العربية الإسلامية، فقد أدت الوحدة العضوية بين مفهومي العروبة والإسلام إلى تناغم ثقافي، إنساني بعيد عن أي تعصب أو عنصرية. ولم يأخذ العرب في يومٍ من الأيام بمفهوم الأمة الغالبة، بل انصهرت في بغداد وخاصة في القرن الرابع الهجري جميع الثقافات الشرقية ودخلت إليها عن طريق الترجمة مؤثرات الفلسفة اليونانية.‏

بعد سقوط بغداد جاء عصر المماليك فحكمت الأقطار العربية أسر من أصول غير عربية وكانت من خلال ذلك الزمن، أي منذ ألف سنة ونيف، دولة بني حمدان في حلب بقيادة سيف الدولة الحمداني هي الدولة العربية الوحيدة التي كان شغل قائدها سيف الدولة الشاغل حربه مع الغزاة الروم.‏

ويكفي بلاطه فخراً أنه احتضن شاعراً كالمتنبي وأبي فراس الحمداني وعدداً كبيراً من النقاد والعلماء ليكون مسك الختام فيما بعد الشاعر والفيلسوف أبو العلاء المعري، ومع انحسار عصر المماليك تعرض الوطن العربي إلى استعمار من أكثر أنواع الاستعمار همجية وجهلاً وهو الاستعمار السلجوقي العثماني الذي ربض على صدر الوطن العربي أربعة قرون نشر خلالها الفقر والجهل والمرض.‏

مع مطلع القرن العشرين جاءنا بعد رحيل العثمانيين الاستعمار الأوروبي ومعه مفاهيمه وخططه الخبيثة لغزونا ثقافياً وإخضاعنا لتبعيته وفصلنا باسم الحضارة الحديثة عن إرثنا الروحي والحضاري العريق، ونجح في خلق وتكوين نخب في المشرق والمغرب منسلخة عن تاريخ ثقافة الأمة وكلفها بالترويج لثقافة الاستعلائية الاستعمارية. وقد أفرزت هذه النخب الكولونيالية تيارات سياسية انعزالية ومعادية للتوجه الوحدوي التحرري العربي، ولعبت الكثير من الأدوار الخبيثة والهدامة والمتحالفة مع عدو الأمة الصهيوني الأميركي الأوروبي. ولكي يطبق الاستعمار الأوروأميركي الصهيوني على عنق الأمة، فقد انتقل إنشاء الكيان الصهيوني الغاصب على فلسطين عام 1948 وافتعل من حولها أي إسرائيل مجموعة من العائلات النفطية العميلة وعلى رأسها آل سعود وأل ثاني في الجزيرة العربية والخليج. ولولا عبد الناصر وتياره العربي الوحدوي في مصر متضافراً مع البعث العربي الاشتراكي الذي قدم للأمة بطلاً ملأ فراغ غياب عبد الناصر وهو القائد التاريخي حافظ الأسد، لكان حقق الغزو العسكري والثقافي العربي والصهيوني كامل أهدافه.‏

أما وفي هذه اللحظة التاريخية الحاسمة، فقد بقيت سورية و الرئيس بشار حافظ الأسد بجيشه الذي لن يقهر بإذن الله. رغم اشتراك جميع العربان في أقذر مؤامرة إجرامية تستهدف تحويل سورية عن مسارها الوحيد وهو أنها آخر قلعة ما تزال تقاوم بمفردها ومعها حلفاؤها المخلصون وخاصة روسيا والصين وإيران وفنزويلا والعديد من دول عدم الانحياز.‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية