|
ثقافـــــــة فقالت: كان المعري دائما يدعو إلى إعمال العقل في كل شيء، وتتجلى إنسانيته في شتى معاملاته، وما رسالة الغفران التي يعرفها معظم شبابنا إلا دليل على إنسانيته، فهذا دانتي الشاعر الايطالي قد أعجب بها وكتب الكوميديا الإلهية التي تشبهها في خطتها وفحواها، وللمعري أيضا آراء عظيمة في ترجيح كفة المضمون على الشكل، معتبرا لباس الإنسان كغمد السيف ليس إلا، فما أجمل ما قال: فإن كان في لبس الفتى شرف له فما السيف إلا غمده والحمائل ولأن المعري يحب الإنسان ويجل الإنسانية لايعمل إلا ما يراه نافعا ومشرفا ليس من أجل ذاته وحسب بل احتراما لإنسانية الإنسان فيقول: ألا في سبيل المجد ما أنا فاعل عفاف وإقدام وحزم ونائل وكان المعري مسالما متواضعا خفيف الظل وهذا جانب من إنسانيته فكل ما يبدر منه هو لصالح الإنسان، فحتى وهو مريض يقدم راحة البال من خلال الفكاهة الخفيفة، ولم يكن معاصرو المعري عنه بغافلين، فقد كان بيته موئل الشعراء ومحبي الأدب، يأتون إليه من كل حدب وصوب ليسمعوا منه ويسمعوه وينهلوا من عظيم أدبه وإنسانيته، وعند وفاة المعري فجع الأدب العربي بتوقف مورد عريق عن ضخ نسغه في عروق المكتبة العربية، وقد رثاه بدوي الجبل بقصيدة من روائع الأدب العربي يقول فيها: من راح يحمل في جوانحه الضحى هانت عليه اشعة المصباح وكذلك بعد مرور أعوام كثيرة على وفاته ظل الناس يزورون بيته وقبره، ويقيمون المهرجانات بمناسبة مرورهم في مكان كان موئل الأدب ومنارة العقول يوما، فهذا الشاعر العراقي الجواهري يأتي بمناسبة مرور ألف عام على وفاة المعري ويلقي عند قبره قصيدة من مئة بيت مطلعها: قف بالمعرة امسح خدها التربا واستوح من طوق الدنيا بما وهبا فلو لم تكن إنسانية المعري أكثر مما يليق بواقعنا، وأكبر مما يحتمل صغارنا، ورافضا لكل ضحل لدى مدعي التدين...... لو لم يكن كذلك لما قتلوه، لو لم يكن أبا لكل واحد منا وأخاً لما قطعوا رأسه، ولو لم يكن أبا العلاء لما أهانهم علاؤه فتركوه بلا رأس وتركوا أنفسهم متهمين أمام محاكم التاريخ. |
|