تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


تفاصيل الصورة

معاً على الطريق
الأثنين 15-12-2014
أنيسة عبود

نساء ملفعات بالسواد والأنين.. يمشين إلى يمين المشهد.

وفي المشهد رجال كثيرون يقرؤون القرآن ويسيرون إلى يسار المشهد.‏

جثمان الشاب الشهيد يشق طريقه بين الجموع..دموع تتكسر على الوجوه.. وقهر كالجمر المدفون تحت الرماد..‏

الجموع تمشي..والنعش المحمول على الأكتاف يمشي باتجاه شجرة السنديان القديمة التي تظلل ساحة المزار..‏

اصطف الرجال وأقيمت صلاة الجنازة.. النساء يبكين بصوت خافت.. قبور كثيرة تحيط بشجرة السنديان..وورود طرية ما تزال ترش عطرها على العابرين.. هنا مثوى الشهيد.. هناك مثوى الشهيد.. وهناك قبر مفتوح ينتظر.. انتهت الصلاة..حمل رفاق الشهيد نعشه ومشوا.. ساروا باتجاه القبر.. كان السكون يلف الوجوه و المكان.. حتى شجرة السنديان ظلت صامتة..لم تلتفت لهبوب الرياح الشتوية..‏

سار الرجال أولاً.. النعش يسير أيضاً.. اقترب من حفرة النهاية.. غير ان صوت امرأة فتية فج السكون ونادى.. إلى أين يا محمد.. (وين رايح ياولدي) وكما السهم اخترقت المرأة جموع النساء والرجال واحاطت بالنعش وهي تنادي ابنها وترجوه ان يرد على ندائها.‏

حاول والد الشهيد ان يثني زوجته ويبعدها الى الوراء لكنها تشبثت بالنعش وصرخت (رد يا محمد كنت ترد علي لما بناديك)ألم تسمعني..انهارت الام عن النعش وتوقفت عن النداء.. ربما لم يسمعها ابنها أو أنه رد وهي التي لم تسمعه..ظن الجميع ان الام قد اغمي عليها لكنهم اصيبوا بالدهشة وتراكضوا عندما ادركوا ان عليهم ان يفتحوا قبراً جديداً تجاور فيه الام ابنها بعد ان جاورته عشرين عاماً في الحياة.‏

وفي تفاصيل مشهد آخر.‏

كان الهاتف يرن..وكان الليل في اوله.. جاء الصوت بعيداً وغريباً..سأل الصوت القاسي بلهجة غريبة..هل انت ام الشاب علي؟‏

قالت المرأة: نعم انا ام علي الذي يخدم في الجيش العربي السوري.. هل هو قريب منك يابني؟‏

رد الصوت الغريب وقال مؤنبا بأنه ليس ابنها لانها كافرة.. و.. ثم اردف: ولكن ابنك معي، وهو يسمع صوتك الآن.. شهقت الأم وتوسلت الى الرجل ان يدعها تكلمه.. ثم اخذت تناديه.. ولدي علي..رد يا بني.. لم يرد علي، ولم تسمع الام صوت ابنها ..لكنها ادركت بأن ابنها في خطر، فأخذت تبكي وتتوسل الى الغريب الذي لا تشبه لهجته لهجة الشعب السوري ..صرخ الغريب وقال للأم ..اسمعي سنقتل ابنك، فكيف تحبين ان نقتله، ذبحاً ام رمياً بالرصاص..انقطع الخط..وسقطت الام على الارض خائرة القوى..لكن الخط عاد ورن وعندما ردت المرأة قال الصوت الغريب المتوحش.. لقد قررنا ذبحه فماذا نرسل اليك منه، هل نرسل لك اليدين ام الرأس..ام القدمين؟‏

حشرج الصوت..وقال اسمعي كيف سنذبحه.. اسمعي صوت السكين..السكين تحز..الشاب علي يحاول الصراخ..بينما الام تحاول ان تتماسك ولو للحظات حتى تقنع نفسها بأن ما تسمعه ليس حقيقة، لكن الحقيقة ان علي قد ذبح..وانفصل الرأس عن الجسد..راقبي الصور التي سنرسلها إليك..لقد انتهينا..ها، ها..لقد ذبحناه..ها. ضحك الغريب كثيراً عندما كان الدم ينزف..وكانت الجمجمة تتدحرج على التراب، ولكن الام لم تر شيئاً ولم تسمع قهقهات الفجور.. لقد صمتت الى الأبد في قبرها الذي جاوره قبر مفتوح ينتظر اشلاء ابناء الشهيد التي لم تصل بعد.‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية