تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


إيبــــاك.. ودهاليز صناعة القرار الأميركي

شؤون سياسية
الخميس 27-8-2009م
عبد الحليم سعود

يشعر كل مراقب للأوضاع في المنطقة أن ثمة مراوحة للسياسة الأمريكية فيما يخص عملية السلام، إن لم يتم تسمية مايجري بالخطوات التراجعية،

فالإدارة الأمريكية تبدو وكأنها بدأت بابتلاع وعودها حول حل الصراع انطلاقاً من كونه مصلحة أمريكية فمنذ وصول الرئيس باراك أوباما إلى البيت الأبيض حتى اليوم تبدلت العديد من المعطيات والأقوال دون أن نلمس أي حراك على الأرض باستثناء الهستيريا الاستيطانية التي تضرب الرؤوس الحامية في حكومة التطرف والعدوان الاسرائيلية، إضافة إلى حمى الصمت التي تعتري جسم إدارة أوباما حيال مايجري من انتهاكات اسرائيلية في الأراضي الفلسطينية المحتلة.‏

فمن الإصرار على تحقيق السلام وفق رؤية حل الدولتين والانسحاب من الأراضي المحتلة أصبحنا نسمع كلاماً أمريكياً حول ضرورة التطبيع بين العرب واسرائيل قبل الشروع بالمفاوضات، ومن الحديث عن ضرورة ممارسة الضغط على الطرف الذي يمارس الاحتلال والعدوان تحول الأمر إلى ضغط مفتوح ومباشر على الضحية المسلوبة الحقوق كما في قطاع غزة لكي تقدم التنازل تلو التنازل ثمناً لوعود غير قابلة للتحقيق في ظل التساهل الأمريكي والدولي مع الكيان الأرهابي،فما الذي استجد حتى تراخت إدارة أوباما كل هذا التراخي عكس منطق الأمور وبشكل يناقض المسار الذي يجب أن تسلكه عملية السلام في المنطقة؟!‏

للإجابة على هذا التساؤل لابد من استعراض بعض الوقائع القائمة لكي نتعرف على الأسباب الكامنة وراء تغير اللهجة الأمريكية، فمن الواضح أن اسرائيل ظاهرياً تتحدى إرادة الولايات المتحدة وإرادة المجتمع الدولي في موضوع الاستيطان وترفض حكومتها المتطرفة وقف بناء المستوطنات وخاصة في القدس المحتلة التي تعاني بالأصل من محاولات تهويد مزمنة، وكذلك في موضوع الانسحاب من الجولان الذي يشكل عودته للسيادة السورية شرطاً اساسياً غير قابل للتفاوض من أجل قيام أي سلام شامل في المنطقة، وينسحب الحديث على الأراضي اللبنانية التي لاتزال تحت الاحتلال في مزارع شبعا وتلال كفر شوبا إضافة إلى قضية المياه، في وقت ينبغي فيه أن يكون التطبيع نتيجة لنجاح عملية السلام وليس سبباً أو مقدمة للمضي فيها، ومطالب العرب في هذه القضية محقة وتنسجم مع المتطلبات الحقيقية والواقعية للسلام، إذ ليس من المنطقي القيام بأي خطوات تطبيعية قبل إيجاد حلول لمشكلة اللاجئين والقدس والمياه والحدود، وهذا فيما لوحدث سيعتبر بمثابة تقديم مكافأة للمعتدي والمحتل على عدوانه واحتلاله.‏

وأما في الداخل الأمريكي فهناك مساع أكثر من حيثية داخل الكونغرس يقوم بها ممثلو اسرائيل وداعموها في هذه المؤسسة لإصدار تشريعات تعرقل أي جهد يمكن أن يبذله أوباما على طريق الحل وهناك أيضاً في البيت الأبيض شخصيات معروفة بولائها لاسرائيل تقدم مصالحها على مصالح الولايات المتحدة من أمثال رام ايمانول وديفيد اكسيلورد ودينيس روس وكذلك نائب الرئيس جو بايدن ووزيرة الخارجية هيلاري كلينتون وغيرهم كثيرون.‏

ولايغيب عن ذهن أي متابع مايمارسه اللوبي الصهيوني (ايباك) ومجموعات الضغط اليهودية وكذلك اليمين الأمريكي من ضغوط على جورج ميتشل (المبعوث الخاص للمنطقة) لإجباره على قبول الوقائع التي يفرضها الاستيطان، ويمكن الاشارة هنا إلى الدور السلبي الذي يلعبه كل من إليوت أرامز وستيف روزك في هذا المجال ولاسيما عملهما المستمر من أجل استقالة ميتشل من مهمته، وتحريك بعض الملفات الشخصية ضد أوباما لابتزازه حتى يغض الطرف عن اسرائيل كي تستمر في عملية تغيير الوقائع على الأرض وصولاً إلى ابتلاع الحقوق العربية كاملة.‏

عند الخوض في دهاليز صناعة القرار الأمريكي وفي مؤسسات صنع القرار سنجد بعض الأسماء القديمة الجديدة الفاعلة في لجنة العلاقات الأمريكية الاسرائيلية (إيباك) كإليوت أبرامز وكارل رون وكنيث ادلمان ووليام بنيت وجون بولتون ودوغلاس فيث ولويس ليبي وريتشارد بيرل وبول وولفرفيتز وجيمس وولسي وديفيد وورمسر ومعهم صحافيون وأكاديميون ومجلات وصحف ومراكز ومجموعات ومعاهد وغيرها وعقيدة دعم لإسرائيل تجمع كل هذه المؤسسات والشخصيات، وهؤلاء نصحوا بل وقاموا بفعل المستحيلات لجعل الصراع العربي الاسرائيلي هامشياً في سياسة أوباما وغير أوباما عبر خلق أولويات أخرى تستطيع تعبئة جدول أعمال أي رئيس أمريكي كملف ايران النووي وملف العراق وأفغانستان والأزمة المالية والاقتصادية وغير ذلك من الملفات، مايطرح السؤال قوياً حول ما إذا تمكن هؤلاء من ترويض أوباما، وفي جميع الأحوال نستطيع الجزم بأنه ما لم يمارس العرب ما يملكون من وسائل الضغط على واشنطن وصناع القرار فيها فسيظل ملف السلام مؤجلاً إلى أجل غير مسمى وستتحول قضية فلسطين إلى مجرد ملف من ورق يحفظ في أدراج الإدارات الأمريكية المتلاحقة يفتح فقط من أجل الابتزاز وتمرير المشاريع المشبوهة.‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية