تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


سيرة الحب.. طريقة مبتكرة في صناعة الأحذية الثقيلة

ساخرة
الخميس 27-8-2009م
خطيب بدلة

إن معظم تصرفات بطل سيرتنا (الأهبل) خالد وهج النار كانت تؤدي إلى خروج أبيه عن طوره ، فيصبح مثل المجانين الخطرين، ولا يستطيع أن يهدئه أحد غير زوجته الطيبة أم خالد.

وإثر الفصل الغبي الذي اقترفه خالد وأدى إلى تركه المدرسة، قالت أم خالد لزوجها ما معناه إن الإنسان لا يعرف أين ينتظره الخير، ولا أين يكمن له الشر، وياما ناس تركوا المدارس وهم لا يعرفون الخمسة من الطمسة، وإذا بهم يصبحون حرفيين ذوي أنامل ذهبية، يحصّل الواحد منهم في الشهر أكثر مما يحصل عشرة أساتذة من الخريجين الجامعيين، أو تجار يلعبِّون أسواق العقارات والسيارات والأسهم المالية على رؤوس أصابعهم.‏

قال أبو خالد مقاطعاً:‏

- هذا الحكي لا ينطبق على ابننا يا أم خالد، لأنه جحش، والجحش كيفما قلبته وثنيته، وأخذته وأرجعته يظل جحشاً لا ينفع معه غير الركوب والنخس بالمسلة في رقبته!‏

قالت وهي تحاول إخفاء تعاطفها الغريزي مع ابنها المنكوب:‏

- والله يا أبا خالد كلامك صحيح، ولكن أيش الحل؟‏

هنا بدأت مرحلة جديدة من حياة خالد، وهي أن أباه كان يسحبه من يده ويأخذه ، مرة بعد مرة، إلى أحد أصدقائه من الحرفيين ليعلمه حرفة يعيش منها، ولكنه كان يعاد إليه (صاغ سليم) مع عتاب رقيق من صاحب المهنة يقول:‏

- أنت يا صاحبي تعرف أن ابنك (طشم)، ومع ذلك بلوتني به، وأنا مو ناقصني!‏

أخيراً اهتدى إلى واحد من معارفه القدامى يدعى أبا محمود، عنده مخرطة للحدادة، وهو معلم متميز بدليل وجود عدد كبير من الشبان الذين يعملون تحت إمرته، اصطحب معه ابنه (البلوة) خالداً وذهب إليه، وبعد السلام والكلام والسؤال عن الأحوال، قال له:‏

- يا أبا محمود أنت أخي وإن لم تكن قد ولدتك أمي، والأخ هو من آزر أخاه ووقف إلى جانبه في السراء والضراء والمصائب، وهل توجد مصيبة أكبر من أن تكون أنت بشراً سوياً ويكون ابنك حماراً، «بعيد من قبالي»..؟ يا أخي ، الله يخليك ويسترك، علم لي ابني حرفة الخراطة والحدادة ، واجعله يتمكن منها، لأن حرفة في اليد، على قولة المثل، أمان من الفقر وأثناء ذلك إياك أن تأخذك فيه رحمة أو شفقة، أو يخطر لك أن تشكوه إلي إذا ارتكب ذنباً أو مخالفة، اضربه أنت رأساً ومن دون تردد، لأنه في الحقيقة لا يوجد فرق جوهري بين أن تشكوه إلي فأضربه أنا بوصفي أباه، أو أن تضربه أنت مباشرة بوصفك أخاً لأبيه، أي في مقام عمه.‏

إن الأمر المفاجئ في هذه الحكاية هو أن بطلنا خالداً، في هذه المرة ، استطاع أن يضرب قاعدته السلوكية القديمة كلها، فلم يهرب من مكان العمل ولا مرة، وأصبح إذا أرسله معلمه في شغل ينجزه على أكمل وجه، ضمن زمن قياسي، ويعود واضعاً نفسه تحت إمرته، ولم يعمد إلى فتح أحاديث جانبية مع العمال الآخرين ، ولم يضع وقته ووقتهم في الثرثرة.‏

وزاد من القصيد بيتين أنه، في عصر النهار، رشرش الماء أمام الدكان، وسطر نفس تنباك عجمي لمعلمه، أردفه بكأس من الشاي الخمير، وقال له: (صحتين يامعلمي).‏

حينما شاهد أبو محمود هذه التصرفات تغيرت فكرته السابقة عن الفتى خالد، وقال في نفسه إن الناس في مجتمعنا إذا رأوا إنساناً قد دب فيه الجنون فإنهم يزيدونه جنوناً حينما يلاحقونه ويصفرون له بأفواههم ، ويطلقون عليه صيحات استفزازية ، وإذا شاهدوا إنساناً غبياً فإنهم يخترعون عشرات القصص الكاذبة التي تدل على الغباء وينسبونها إليه، هذا الفتى «خالد» مثلاً، إنه شاب جيد، ومتفهم وإذا بقي هكذا فقد يصبح معلماً في الحدادة والخراطة من يدري؟‏

في هذه الأثناء سمع أبو محمود ضحكاً جماعياً ينبعث من داخل الدكان، ركن الأركيله جانباً ومشى على رؤوس أصابعه، وألقى نظرة إلى الداخل، فوجد خالداً وقد وضع فردتي حذائه فوق بعضهما ضمن المثقاب الآلي الخاص بجهاز الخراطة، ووقف يشرح للعمال بحماس كبير كيف يمكن تحويل فردتي الحذاء إلى فردة واحدة، بعد أن يتم ثقبهما، وإدخال برغي طويل فيهما، ثم وضع عزقة تمسكهما على نحو جيد.‏

وكان العمال ملتفين حوله يتفرجون على اختراعه الغبي وهم فارطون من الضحك!‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية