تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


مجنون يحكي وعاقل يسمع.. طــــار الامتحــــان

ساخرة
الخميس 27-8-2009م
عادل ابو شنب

استعدت ابنتي لامتحان البكالوريا استعداداً كبيراً، واصلت الليل بالنهار وهي تحفظ برنامجها درساً درساً حتى أيقنت أنها ستكون الأولى لا على صفها فقط بل على جميع التلاميذ في البكالوريا في جميع مدارس البلد أيضاً.

وفي صبيحة يوم الامتحان المبكرة استيقظت ابنتي وأيقظتني وجعلت تعيد علي مادرسته فوجدتها كما قالت تماماً فقبلتها وقلت لها: وفقك الله ستكونين الأولى حتماً!‏

وحملت أمانيها معها وأرادت الخروج في هذه الساعة المبكرة حتى تلتقي بزميلاتها وتذاكر معهن الدروس التي حفظتها عن ظهر قلب قبل الدخول الى الامتحان، لكن مفاجأة عجيبة جعلت التوتر يغزونا جميعاً، أنا وأمها وأخواتها.‏

كان بيتنا على قارعة شارع صغير متفرع عن شارع أكبر وكان شارعنا وسيلة الوصول بين ساحة وساحة، وقد أصابت ابنتي دهشة صاعقة عندما فتحت الباب الخارجي فوجدت أمامه تماماً سيارة شحن كبيرة تسده وتمنع الخروج منه ولو لقطة صغيرة، أصابتنا الحيرة وجعلتنا نصرخ من وراء الباب على صاحب سيارة الشحن عله يسمعنا، لكن ذهب صراخنا أدراج الرياح فما استجاب أحد له إلا فضوليين مروا بالباب، وسمعوا استغاثتنا فصاروا يحاوروننا وبيننا وبينهم السيارة الضخمة والباب الموصد، بكت ابنتي عندما مر ربع ساعة على ذلك الموقف المفاجئ وأردنا أن نحتال على الأمر.‏

فاقترحت زوجتي أن نتصل ببوليس النجدة أولاً، ولما جاؤوا أعيتهم الحيلة فكلموننا بأنهم عاجزون عن فعل أي شيء ماجعل ابنتي تبـــــكي أكثر بكاء شبيهاً بالولولة واقترحت زوجتي مرة ثانية أن نســــــــتغيث بالمطافئ فسارعت إلـى الهاتـــــف واتصلت بفرقة المطافئ القريبـة وشرحت لها مصيبتي فقال عامل الهاتف إنه سيصلني بقائد الفرقة ولما وصلني وجدته غائباً فعاودت الاتصال وقلت لعامل الهاتف: أرجوك إن مصير ابنتي بين يديك.‏

وطمأنني وقال:ستصل سيارات الاطفاء إلى بيتك خلال نصف ساعة.‏

كان الأمر يمر بصعوبة فإن للزمن أقداماً ثقيلة وكنت أدعو الله أن تمر هذه الساعة العصيبة على خير وما هي إلا حوالي نصف ساعة حتى سمعت أبواق سيارات الاطفاء فاستبشرت خيراً وجرى الحديث بيني وبين أحد رجال الاطفاء عبر السيارة والباب الموصد وسمعتهم يحاولون زحزحة سيارة الشحن فاستعصت على الزحزحة وكانت الساعة قد تجاوزت الثامنة موعد الامتحان وأيقنت ابنتي أنها تأخرت ولن يسمح لها بالدخول فصار بكاؤها عويلاً واختلط العويل بأصوات الناس ورجال المطافئ ومحاولة زحزحة السيارة وفي اللحظة سمعت من وراء الباب من يقول: ماذا تفعلون بسيارتي؟‏

كان جنابه قد شرّف، فنبه أحد رجال المطافئ على فعلته وقال إنه سيتحمل المسؤولية كاملة وعندما سمعنا هدير سيارة الشحن يبتعد كان صوت سائق السيارة يدوي:العمى بقلبهم ألم يقدروا انتظار نصف ساعة ذهبت فيها للافطار؟‏

وكنت قد فتحت الباب وخرجت إلى السيارة التي تهم بالسير ياقاتل يامقتول أريد أن أتشفى من هذا السائق الذي أضاع على ابنتي سنة كاملة دون إحساس بالمسؤولية!‏

ومجنون يحكي وعاقل يسمع.‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية