تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


تبييضُ الضَّمـــــائر...!!

آراء
الخميس 27-8-2009م
قصي ميهوب

أن يبيضَ عليك شخصٌ ما يعني أن يبلفكَ ويستخفَّ بك حدَّ تعريتكَ عن جادَّة الفهم وغادة الصواب, وأن تردَّ له الصَّاع بالبيض مقايضةَ كذبةٍ بكذبةٍ واستخفافٍ باستخفاف يعني أنك أتقنت فنونَ الإباضة بالإجهاض وبراعة الهجوم بالإنقضاض .

. وهكذا يدخل فعل / باضَ / اجتماعياً كفعلٍ دالٍّ على إتقان مهارات الكذب بهدف وهمِ الآخرين بالقدرة على فعل كذا وكذا وحجب الحقيقة عن إمكانية القيام بهذا الفعل أو ذاك, وهنا يعتبر هذا الفعل ضرباً من ضروب الشطاره على أهل الخساره, والقانون لا يقاضي المتبايضين .. ويأتي فعل / بيَّضَ / دالاًّ على تغيير الحالة اللونية للمادة ظاهرياً بالبصر, وباطنياً بالبصيرة لترمي ما يقوم به هذا أو ذاك في بئر ضميره المظلم إن خاب أو المضيء إن أصاب.‏

وأمَّا أن يعمدَ البعضُ إلى طلاء ما اسودَّ من ضمائرهم باللون الدَّال على النقاء والمائل إلى النزاهة وحسن السيرة رغم قبح المسيرة, فهذا ضربٌ من ضروب الإثارة على جلد حرباءٍ تخادع الكون لوناً بلون. فتراهم يتورَّمون نعومةً كالأصَلَةِ المؤلَّفة التي ابتلعت جدياً فتبدو لناظرها ناعمةَ الملمس وداعةً ورقةً, والحقيقةُ أن الفريسة التي في جوفها تمنعها من رشاقة الحركة فينام سمُّها عن الفوران إلى وقتٍ لا ريب فيه.‏

إنَّ المتتبع للعلاقات الاجتماعية والمالية بين أفراد مجتمعٍ يقايضون الجرح بالملح يرى ما تعامى عنه أصحاب النفوذ المالي على مختلف الأصعدة بكامل الأرصدة المخصصة لمهارة سارقٍ يستطيعُ تغيير لون ضميره في المكان والزمان المناسبين للنهب دون أدنى شعورٍ بالذنب, وعلى كافة الجبهات المهنية المدعَّمة بالمناصب والمسؤولية, فمهنة الطبِّ مثلاً مهنةُ الحبِّ لحبيبةٍ تدعى الإنسانية وحبيبٍ يسمى الإنسان مجازاً في عصر اللا إنسانية جوازاً أفلا ترى كيف استند السواد الأعظم من الأطباء إلى التعامي عن صفاء السريره باستجداء الليره؟ وبعدما يمضي ربيع الاستغلال ويهجم نابُ محاسبة الضمير إنْ كان ما تبقَّى منه على قيد الحياة تراهم يتبرَّعون لبناء مشروعٍ خيريٍّ بعد أن حفروا جيوب المرضى بحثاً عن صور ذواتهم.. وما على المريض سوى التسليم بواقع الحال أمام قوة المال, وكذا حال الكثير من المدرسين الذين يخطِّطون لاقتناص ما في جيوب أهل الطلبة من قرشٍ أبيضٍ يقيهم الوقوع في قبضة الجوع, فالدروس الخصوصية أصابت ضمير المدرس بالجفاف في القاعه حتى أصبح من جوَّالة الباعه,وما على الطلاب إلا الانتحاب, ومظاهرُ التبييض عنده وعند أقرانه استئجار بعض الجهلة للترويج له كمدرِّسٍ نشيطٍ يقطِّرُ الفهم منه كما يقطِّرُ السُّكَّرُ من حبة العنب ولو كانت النتيجة رسوب عددٍ كبيرٍ من طلابه المساكين أو عدم حصولهم على العلامة المؤهِّلة لدخول فرعٍ من فروع الجامعه.... قلتُ الجامعه؟! نعم ففي الجامعات ما « يشيب ناصية الصبيِّ ويهرم », فالضميرُ هناك يحتاج إلى كميةٍ أكبر من طلاء التبييض تبعاً للدرجة والمكانة العلمية لبعض الأساتذة الذين يفرِّقون بين الطلبة بالمعاملة والمؤانسة على ورقة الإمتحان تبعاً للسخاء لضرورة البقاء ومنهم من يفرِّق البنات عن البنات على قاعدة / ميلي عاليَ ميلي / والنتيجةُ ضخُّ جيلٍ من حملة الشهادات الجامعية اسمياً لا فعلياً في أمواج المحيط المتجمد الاجتماعي, وكذاك حالُ المخطِّطين في شركات الطرق العامة عبر تنفيذهم لخططهم المئوية بدءاً من رصيف الدار إلى طريق المطار, والمشكلة التي تزيد الطين بِلَّةً أن المصطافين على ضفافه الخضراء يساهمون في ازدياد التلوث البصري واحتمال وقوع الحوادث التي تأكل من البدن أكثر مما تأكل من حديد السيارات وأجساد المعادن, والتبييضُ من شواطئ الجامعه إلى شواطئ المصطافين على قارعات الطرق ومنها طريق المطار يزداد انتفاخاً حدَّ الإنبعاج فيغرق طالب العلم كطالب الطريق بالأسود العتيق, وكذا حالُ الهندسه والصيدله وبعض المسؤولين العاطلين عن الإدارة وبعض القضاة وباقي البغاة .. والحبل على الجرار يسقي الفقير الويل والتعتير.‏

وثمة قائلٌ : ما علاقة التبييض بمن يبيض علينا في أمورٍ نجهلها خصاماً أو نعرفها لماماً؟؟ إن العلاقة بينهما قائمةٌ قيام نبض القلب بفارعة الوريد, فلن يكون التبييضُ ناصعاً دون وريد الكذب, والكذبُ قاعدةُ من يبيضُ على فلانٍ بجهل علَّان مع كل هبَّة رغبة في اقتحام عالم المال وصولاً إلى عالم المناصب على جثث الضمائر الحيَّة البريئة براءة الحبِّ من زيف الشعور, ولما كان تبييضُ الأموال وتبييضُ الضمائر وجهان لعملةٍ لا وجه لها, فكيف لكَ أن تميز السارق من المسروق من أهل هذا السوق؟؟‏

فمن يسرق البيضة لا بدَّ يسرق الدجاجه بادِّعاء الحاجه. فيا سيدي الضمير « من لك بالحرِّ الذي يحفظُ اليدا »؟‏

ولسان حالك يسرق الأحلام من شاعر الآلام« نديم محمد » صارخاً :‏

أضميرٌ يمشي به الناسُ كالنَّعلِ‏

فماذا بعد انتعالِ الضَّميرِ؟؟‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية