تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


غـــزة المنتصرة

آراء
الخميس 27-8-2009م
هيفاء بيطار

مهرجانات فرح للاطفال ، واعراس جماعية في غزة، اغانٍ سعيدة ، واذرع تلوح بمناديل ملونة تعبر عن فرح وابتهاج بالحياة، حياة حقيقية صاخبة وملونة تنهض من بين الانقاض، واجساد لاطفال وشبان يرقصون فوق ركام بيوتهم التي دمرتها آلة الدمار الاسرائيلية.

ما عرضته الشاشة من مظاهر الفرح والابتهاج وحب الحياة في غزة يجعل نفوسنا تمتلئ اكباراً واعجاباً بأهل غزة الابطال، كلهم ابطال من صغارهم الى كبارهم، فهؤلاء الاطفال الذين شاهدوا الطائرات والدبابات الاسرائيلية تقصف بيوتهم وتدمرها، وتقتل جيرانهم واقرباءهم واسرهم، هؤلاء الاطفال الذين انتهكت طفولتهم وعاشوا ذعراً متواصلاً وحصاراً وجوعاً وحرماناً من الذهاب الى المدرسة، حرماناً من اللجوء الى جوار آمن، كل تلك الترسانة العسكرية الوحشية الاسرائيلية لم تتمكن من سحق بذرة فرح وتفاؤل في قلوب هؤلاء الصغار، بالتأكيد تركت هذه الحرب آثاراً سلبية في نفوسهم ومعظمهم عانى من كوابيس ومخاوف مرضية كثيرة، الى ما هنالك من آثار نفسية سلبية للحرب على الاطفال خاصة، لكن رغم كل ذلك، فهؤلاء الصغار يرقصون في ساحات وشوارع غزة، ويغنون ويبتسمون وهم يلوحون بمناديل الفرح الملونة، من هؤلاء يولد قوس قزح النصر..‏

الاعراس الجماعية بدورها والتي تمت في الساحة التي تسمى ساحة الشهداء، لان فيها قتل وتجمع اكبر عدد من شهداء غزة، من قلب الشهادة يولد الفرح وارادة الحياة. احد العرسان، شاب جميل بترت ساقه بالحرب، كان يبتسم للكاميرا وهو واقف مستنداً الى عكاز بجانب انقاض بيته الذي دمرته دبابة اسرائيلية، يبتسم ويقول الحياة ستستمر والامل والمقاومة سيستمران.‏

ما يستوقفني ويملؤني زهواً واعجاباً بهؤلاء الابطال- اطفالاً وشباباً- ليس قوة ارادتهم ورغبة الحياة التي لا تقهر لديهم، بل لان هذه الرغبة الجبارة بالعيش والفرح واعادة البناء فوق الانقاض، مستندة الى اساس متين وهو انهم اصحاب حق.‏

ايمانهم ان قضيتهم قضية حق، وبأن فلسطين وطن مغتصب، وبأن اسرائيل محتلة ومجرمة، وبأن من حقهم الدفاع عن وطنهم وبيوتهم وحقهم بعيش كريم .‏

القضية العادلة هي التي تعطي الانسان كل هذا الزخم من القوة.. وهي التي تجعله يتحدى آلة الدمار مهما بلغت وحشيتها وقوتها.‏

لماذا لم نسمع عن اعراس جماعية في اسرائيل؟! ولماذا لا نرى مهرجانات فرح عند اطفالهم، رغم مستوى الترف الخيالي الذي يعيش فيه هؤلاء؟!‏

بل اننا من وقت لآخر نقرأ ونسمع من صحفهم نفسها عن تصرفات غريبة، وجرائم وانحرافات يقوم بها جنودهم، وعن الامراض النفسية التي خلفتها الحرب التي افتعلوها لدى اطفالهم وشبانهم، تحديداً جنودهم.‏

كم جندي اسرائيلي انتحر بعد حرب غزة؟ العدد كبير، لكني لم اتأكد منه، انهم لا يملكون شرف الفرح وشرف الابتهاج بالحياة، لانهم يعرفون بأعماقهم انهم مغتصبون، ومعتدون ومجرمون، والمجرم مهما امتلك من القوة، ومهما بطش بالابرياء، فإن جانبا في اعماقه يهمس له كل لحظة انت مغتصب ولست صاحب حق..‏

ان الفرح وارادة الحياة لا يأتيان من فراغ وعبث وغش وخداع للتاريخ وللناس، الفرح وارادة الحياة يستندان الى اساس متين وراسخ هو الاحساس بالحق، وبأننا اصحاب قضية عادلة، ومن حقنا الدفاع عن حقنا.‏

كم تحتاج غزة للفرح، فلا شيء سوى الفرح قادر على ترميم كل تلك الجراح البليغة التي خلفها العدوان الوحشي الظالم على غزة، قلبي يضيء فرحاً مع عرس الفرح في غزة .‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية