تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


مونيكا علي: بنغاليه في شارع بركلين اللندني

كتب
الخميس 27-8-2009م
مونيكا علي كأديبة بنغالية وشرقية فإن أول ملمح سيعثر عليه القارئ بوضوح هو القدر وتستخدم عبارة هيراقليطس العتيقة: «قدر الإنسان هو شخصيته المتواطئة لروايتها (شارع بريك لين)

التي يعدها النقاد رواية طويلة لكنه حميمة كتبت عن الجالية الآسيوية التي تقيم في إيست إن بلندن، رتب والد نازنين لها زواجاً من رجل بنغالي خائب الرجاء يكبرها بعشرين عاماً لتجد نفسها في لندن وقد استحال الوطن المترامي الأطراف إلى شقة ضيقة زوجها فكر بها فقط لأنها كما تسمعها ذات ليلة بعد اسبوع من زواجها وهو يقول: «إنها فتاة غير مدللة قادمة من الريف» لقد استيقظت ذات ليلة لتحضر كوب ماء وسمعته يتحدث بالهاتف ويقول عنها:«لا ليست جميلة ولكن ليست بهذا القدر من القبح أيضاً» الوجه كبير، جبهتها عريضة، العينان ضيقتان قليلاً، وضعت نازنين يدها على جبهتها هذا صحيح كانت الجبهة كبيرة غير أنها لم تفكر في أن عينيها ضيقتان جداً، ليست طويلة، ليست قصيرة، نحو خمسة أقدام، الوركان هزيلان قليلاً لكن يمكنها أن تحمل طفلاً جميع الأشياء مدروسة إنني راض ربما عندما تكبر سوف تنبت لها لحية في ذقنها لكنها الآن لم تبلغ سوى الثامنة عشرة وعم أعمى أحسن من عدمه، كانت تعتقد أنه ممتن لأنها هي الصبية الحلوة قد ارتضت به؟‏

فتاة قادمة من الريف البنغالي تجد نفسها قد تزوجت وأتت إلى لندن لتجلس يوماً بعد يوم في هذا الكشك الكبير مع أثاث تنفض عنه الغبار.‏

الرواية مفعمة بالسخرية اللطيفة والدافئة تمحص آثار أقدام القدر في حياتنا هؤلاء الذين يتقبلونه في رضا وهؤلاء الذين يتحدونه وتتتبع التحولات الحادة لفتاة آسيوية حذرة وخجولة إلى امرأة شجاعة ومبجلة.‏

والرواية تركز على هذا القطاع المستعرض من الجالية البنغالية في تورها مليتس جالية غفت تقريباً على بقية لندن وهي رواية مثيرة ولاذعة ومذهلة ومقروءة على نطاق واسع وتعد من نوعية الكتب التي تجعلك ترافقها مستمتعاً، تبدأ الرواية بمولد نازنين المريب حين ظنوا أنها ولدت ميتة لكنها سرعان ماتستيقظ وترفض الأم أخذها إلى المستشفى لأنها ولدت مبكراً عن موعدها وتتركها لقدرها وفق ما ارتأت أمها.‏

مكرسة بذلك الحكمة التي سوف تصبح أحد محاور الرواية «لايجب على المرء مقاومة القدر»، ساعة وخمس وأربعون دقيقة قبل أن تبدأ حياة نازنين وتبدأ كما كانت ستبدأ في وقت ما بعبارة أخرى على نحو مشكوك فيه، أحست أمها روبان بقبضة حديدية تعتصر أحشاءها كانت تجثم فوق مقعد أرضي بثلاثة أرجل خارج سقيفة المطبخ بينما تنظف دجاجة لأن أولاد عم حميد قد وصلوا وسوف تكون هناك وليمة قالت منادية الدجاجة بالاسم كما كانت تفعل دائماً.‏

زقزوق يازقزوق أنت عجوز وكثيرة الألياف لكنني أود أن آكلك عسير الهضم كنت أو غير عسير الهضم وغداً لن أطبخ سوى الأرز.‏

نزعت مزيداً من الريش وشاهدته يتطاير حول قدميها وقالت :(آااه-آااه..)‏

هكذا بدأ مخاضها بنازنين....‏

نازنين نقيض لأختها حسينة التي واجهت القدر الذي تخشاه نازنين كثيراً وكسرت كل القواعد وهربت من أسرتها مع رجل تحبه، القارئ يتابع شجاعة الأختين.‏

قلما كانت نازنين تغادر شقتها في بادئ الأمر لكنها عندما غادرتها شاهدت لندن في حيرة كائن فضائي هبط لفوره من كوكب المريخ ويعد شانو زوجها الثرثار إحدى معجزات الرواية الرئيسية فعمره ضعف عمرها ووجهه يشبه ضفدعة يمثل إلى الاستشهاد بديفيد هيبوم لكنه شخصية ساخطة وقلم الكاتبة يجعل من شخصيته محببة للقارئ.‏

وتتميز مونيكا علي برشاقة الانتقال من الملهاة إلى المآساة ثم تعود ثانية بالرشاقة نفسها كما تتميز بحيوية شخصياتها وقدرتها الفائقة على رسم كل منها أو تحتها حتى إن القارئ ربما يتبادر إلى ذهنه أن الرواية سيرة ذاتية للمؤلفة كذلك ثمة حضور قوي للرائحة على امتداد الرواية، الشيء الذي يضفي على السرد مزيداً من الحيوية والثراء.‏

رواية «شارع بريك لين» إحدى الروايات التي ارتقت إلى التصنيف النهائي لجائزة مان بوكر 2003 في السنة نفسها صنفت مونيكا علي من قبل مجلة (جرانتا) واحدة من أفضل عشرين روائياً شاباً في بريطانيا وتعد وفق الاستطلاعات واحدة من أهم الروايات التي تقرؤها أوروبا في الآونة الأخيرة( والآن عندما كانت تسير الحبل المشدود بين الأطفال وأبيهم عندما كان يؤرقها ذهنها المشتت أو تقلق على أختها الآن أحست بضآلة كل هذا، لذا فقد أخطأت حمل التوق في أحشائها من أجل الحزن وقرأت في الليل على المحتلين واليتامى عن الانتفاضة وحماس).‏

الكتاب صادر عن المجلس الأعلى للثقافة - الكويت 2009‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية