تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


هل الترجمة إبداع آخر؟

ثقافة
الخميس 27-8-2009م
مها محفوض محمد

لم يلتفت العرب متأخرين إلى الترجمة بل إنهم ومنذ عصر حضارتهم ترجموا وتواصلوا وتفاعلوا، فحين كانت الدولة العباسية في ذروتها كانت الترجمة متألقة ومزدهرة،

بل إنها كانت مهنة تدر ذهباً على أصحابها، ولهذا نقلت المعارف والعلوم إلى العربية من جميع اللغات العالمية وغدت الثقافة العربية بوتقة صهرت ومزجت وقدمت كل ما أتاها، كذلك كان الأمر منذ مطلع القرن العشرين وما قبله حين ازدهرت حركة الترجمة في مصر بعد أن هاجر إليها أدباء وصحفيو بلاد الشام، ومع ازدياد وسائل الاتصال تطوراً وتحول العالم إلى قرية كونية صغيرة ازدهرت الترجمة وصارت فناً من الفنون وجسراً من جسور التواصل لاغنى عنه، وقد بدأ علم جديد ينمو ويزدهر هوعلم فن الترجمة وما يرافقه، فالترجمة ليست نقلاً حرفياً لمعنى كلمة أوعبارة أو جملة وكفى.. إنها إبداع جديد في النصوص الأدبية، ومعنى صحيح في العلوم والقضايا العلمية. ومصطلحات دقيقة في الاقتصاد والفلسفة وهنا يأتي دور السياق في هذا المجال فهو الذي يحدد مسار الترجمة ودقتها.‏

من الكتب الجديدة التي صدرت عن الهيئة العامة للكتاب في سورية كتاب جديد تحت عنوان: «دور السياق في الترجمة» وهو من تأليف يوجين أ. نأيدا وترجمه إلى العربية د. محيي الدين حميدي.‏

لماذا السياق؟‏

إن تجاهل سياق النص غالباً مايكون مسؤولاً بشكل أساسي عن أسوأ الأخطاء في فهم معنى نص وإعادة إنتاجه وعلاوة على ذلك ينبغي فهم السياق على أنه يؤثر بكل مستويات النص: البنيوية والفونولوجية والمعجمية والقواعدية والتاريخية بما في ذلك الأحداث التي أدت إلى إصدار النص والطرق التي تم من خلالها تفسير النص في الماضي والاهتمامات الواضحة لأولئك المهتمين بالترجمة، علىأنه يمكن لأي شخص يحاول فهم معاني الكلمات في السياق أن يتعرض لبعض الأفكار الخاطئة المهمة التي تلف معانيها، خاصة الفكرة القائلة بأن كلمات أي لغة تشكل فسيفساء غنية من المصطلحات تتناغم سوية وبأناقة لتشكل المجالات الدلالية المختلفة.‏

لاتوجد هناك فسيفساء لغوية أنيقة لأن معاني الكلمات تتداخل باستمرار مع بعضها البعض وحدود المعنى ضبابية وغير دقيقة التعريف، فعلى سبيل المثال هناك قدر هام من التداخل في وصف الجري السريع إذ يبدو أن فعل «يعدو بسرعة» يركز بشكل أكبر على الحركة السريعة, في حين يقترح فعل «يتسابق» الدخول في سباق في حين أن الفعل «يندفع بسرعة» يركز على مجرد الحركة السريعة في المكان دون أي اعتبارات للأسلوب والطريقة، فيبدو أن مفاتيح المعنى الحقيقية تعتمد على السياقات.‏

الكتاب غني بالأمثلة التوضيحية عن الترجمة، وقد طرح وبطريقة منتظمة المبادىء الأكثر أهمية في الترجمة وثلاثة نماذج رئيسية من نظريات الترجمة، ويبين بالتحديد ما عملية الترجمة ثم العلاقة بين اللغة والثقافة فاللغة هي جزء من الثقافة دائماً ويتناول موضوع ترجمة الكلمات في السياق لأن اختيار كلمات محددة ومعانيها يعتمد أساساً على جوانب السياق المختلفة مثل الكلمات الأقرب وموضوع النص والجمهور المفترض وخاصة معاني تلك الكلمات التي لاتعني في أغلب الأحيان مايبدو أنها تبوح به ، ثم يركز على آلية الوصل القواعدية بين الكلمات وعلى أهمية بنية الخطاب وأسلوبه.‏

ويخلص إلى أن الأهم بالنسبة للمترجم هو فهم النص كوحدة متكاملة أكثر من توضيح معالم المستويات البنيوية، والمهارة الأساسية التي يحتاجها المترجم هي المقدرة على فهم النص الأصلي بشكل صحيح، وعلى المترجم أن يدرك أنه لايمكن للكلمات أن تحصل على معنى إلا وفق شروط ومقتضيات الثقافة المستقبلية وفي حين يمكن اكتساب لغة في فترة لاتتجاوز العشر سنوات يحتاج الأمر لحياة الإنسان كي يفهم ثقافة ما ويصبح جزءاً لايتجزأ منها.‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية