تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


«حوار الإبداع »

معاً على الطريق
الخميس 10-4-2014
لينا كيلاني

لكل ابتكار مجال.. ولكل إبداع عالم يتحرك داخله.. وها هي الفنون بأشكالها باتت تمتزج بعضها ببعض.. كما هو حال السينما مثلاً.. فالكتّاب،

والرسامون، والنحاتون، ومصممو الأزياء، وغيرهم أصبحوا يشتركون في صناعة الأفلام. لكن الأمر لا يقف عند هذا الحد.. بل إنه التنافس فيما بينهم لتحقيق الأفضل.. فصناعة السينما في الغرب من أهم الصناعات، ولعلها أرست قواعد لا مجال لتجاوزها في سبيل الحصول على المنتج الأمثل.‏

يثير اهتمامي برنامج غربي للتنافس بين من يصنعون المؤثرات البصرية في السينما.. فالمتنافسون مستعدون لخوض التجربة.. وكلٌ يأتي متحمساً يحمل ابتكاراته مع إبداعاته وأفكاره.. لكنه لن يكون بمفرده بل ضمن مجموعة من الهواة دون المحترفين.. والقائمون على الحدث هم من يقررون ما على المشترك أن يقوم بتنفيذه.. أما الجائزة فهي لا تتعدى الحصول على استحسان لجنة التحكيم من المتخصصين في صناعة المؤثرات البصرية ليكون بالتالي الفوز بالانضمام الى هذا الفريق أو ذاك ممن يعملون لدى هذا الشركة العملاقة أو تلك لصناعة الأفلام.‏

وإذ تروج صناعة المؤثرات البصرية التي باتت تحفل بها آخر إبداعات السينما فإن الفوز في ابتكار مؤثرات تصنعها أيدٍ ماهرة في تجسيد الفكرة ليس هو بالتالي أمر يسير، أو يمكن أن يتحقق بسهولة، فالفوز يمر في مراحل تبدأ مع فريق من المتنافسين ولابد لكل منهم أن يكون مستوعباً لروح الفريق في التعاون، وقبول الآخر من حيث المشاركة في الفكر والجهد.. وهكذا تشترك إبداعات المتنافسين للوصول الى إبداع مشترك.‏

حالة تسترعي الانتباه فلطالما كان الإبداع فردياً.. لكنه مع تطورات العصر وما يتبعه أصبح حالة جماعية.. أجل.. إبداع مطالب بأن يتفتح مع الآخر في قبول له كشريك.. أمر لم يعد حكراً على من يرسم، أو يلحن، أو ينحت، أو يتقن استخدام الحواسيب بل إن ذلك أخذ ينسحب أيضاً حتى على الكتّاب والمؤلفين.‏

إنه إذن قبول الآخر أولاً وفتح أبواب الحوار ثانياً.. واذا ما فتح هذا الباب تفتحت الأفكار.. وتألق الإبداع والابتكار في استدعاء لكل ما هو جديد.. بل إنها الثقة بالنفس، وإمكانية التعبير عن الذات بحرية وانطلاق.. واذا ما التمعت العيون ببريق الفوز كان الجميع فائزاً بشكل أو بآخر.‏

ومادامت الصناعات الحديثة ومنها السينما تتسع بآفاقها فلابد إذن من اتساع دائرة الاشخاص المشتركين فيها، وكلما تعدد الافراد بانتماءاتهم الفكرية، ومدارسهم الفنية، وغير ذلك كلما كان الامتزاج في عمل مشترك أكثر صعوبة على الجانب الإنساني، وأكثر ابتكاراً على الجانب الإبداعي.. والصناعة هذه تصرّ على أن تخرج بمنتج يليق بسمعة تاريخها.. وهذا بالتالي لا يعني التوافق دوماً لكن للخلافات مسافة يقطعها كل أحد باتجاه الآخر للوصول الى شيء من التوافق ولو جزئياً لا كلياً.‏

عالم متنوع من فكر، وفن، وأفراد من مشارب مختلفة لكنه منتج واحد.. وفي رحلة من نقطة البداية حتى النهاية.. حيث يكون تحقيق الذات، ونحت الاحلام.. رحلة مشتركة لمبدعين تتجاوز في عتبتها حالة الإبداع الفردية. فهل وصلنا الى زمن ما عاد فيه المبدع الكاتب والاديب يستطيع أن يصل الى جمهوره العريض ما لم تحتضته مؤسسات للنشر والاعلام.. وكذلك الأمر مع الفنان ما لم يصبح صوتاً في سرب يحتويه؟‏

ربما وصلنا الى هذه الحال.. وفي توافق وانسجام لا في تنافر أو عداء.. ولكن يبقى السؤال: أين هو الدور الحقيقي للأديب والفنان، والمبدع الانسان في مجتمعات جديدة تنشأ داخل المجتمعات؟‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية