تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


العرب في ميزان الجوار الجغرافي..تركيا وإيران

شؤون سياسية
الاثنين2-2-2009م
علي الصيوان

شدّ رئيس الوزراء التركي في 29/1/2009 في دافوس أنظار المراقبين بتصديه لادعاءات شيمون بيريز في تسويغ مالا يسوّغ، أي الجرائم الاسرائيلية المقترفة في غزة.

فلقد سمّى السيد رجب طيب أردوغان الأشياء بأسمائها. قال: «أعتقد أن ما فعلتموه في غزة خطأ كبير وغير إنساني». وحدد: «إن «إسرائيل» حولت قطاع غزة الى سجن مفتوح». ووجه كلامه الى شيمون بيريز، قائلاً: «التاريخ يرفض هذه الأكاذيب. ونحن نملك الحقائق».‏

ودعا الى رفع الحصار عن غزة. وشدد على أنه لا يمكن تحقيق السلام دون مشاركة حركة حماس، والاكتفاء بالحوار مع حركة فتح برئاسة محمود عباس.‏

وبمحاولة مدير الجلسة في منتدى دافوس منعه من الكلام، غادر أردوغان المنصة، قائلاً: «لا أعتقد أنني سأعود الى دافوس».‏

وفي مؤتمر صحفي عقده من بعد، قال: «عبرت خلال نقاشات منتدى دافوس عن موقف تركيا حيال السلام وبما هو لمصلحة تحقيق السلام في الشرق الأوسط».‏

وما شد أنظار المراقبين في موقف أردوغان أنه منسجم مع منظومة مواقف اتخذتها تركيا، الرسمية والشعبية، من جريمة العدوان الاسرائيلي على الشعب الفلسطيني، قبل المجزرة في غزة وأثناءها وبعدها.‏

فتركيا، وهي عضو في حلف شمال الأطلنطي، لم تحابِ المعتدين الاسرائيليين كما فعل المنافقون في حكومات الغرب وأعلامه، الذين ينالون توصيف «المجتمع الدولي»! عند بعض العرب المستلبين ثقافياً حيال المركزية الأوروبية، فيعممون تبرمهم من نفاق مؤسسي «إسرائيل» وحماة جرائمها لاتهام العالم بأسره (!) بأنه لم يتحرك له ضمير حيال مذبحة غزة! وهذا ليس صحيحاً. بل هو إساءة قراءة في مواقف تركيا وفنزويلا وبوليفيا وجنوب أفريقيا والأصدقاء في آسيا وأفريقيا و أمريكا اللاتينية وشرق أوروبا وحتى في غربها، دللت الى مدى يقظة الضمير العالمي وحركيته وفاعليته، خاصة في مستوى القضاء الوطني في بعض دول غرب أوروبا لوصم الوحش الإرهابي الصهيوني باسمه الصحيح، والعمل على مقاصصة القتلة الاسرائيليين انتصاراً لمظلومية ضحايا الارهاب من الفلسطينيين والعرب.‏

بيد أن موقف السيد رجب طيب أردوغان في دافوس كان حافلاً بالرسائل الى كل من يعنيه الأمر في جبه غائلة الخطر الصهيوني على أمن العالم وسلامه.‏

أولى هذه الرسائل الى واشنطن، ومفادها أن حلفاءها المضموني الانحياز الى خطها السياسي حيال قضية الصراع العربي الصهيوني، لن يبقوا معصوبي الأعين حيال إرهابية الكيان الاسرائيلي، الى الأبد. ولن يستسيغوا بالصمت زيف إسناد المسؤولية عن سفح الدم في غزة الى المقاومة.‏

والمعنى الأبرز في هذه الرسالة، هو النذير بتكرار السابقة الديغولية 1964، التي انشقت عن واشنطن في مسألة حصار الصين، وتصدع بها الحصار كله، وانتهى في 1971.‏

ثاني هذه الرسائل موجه الىبعض الأتراك، تقول بأن مصالح تركيا الحقيقية ليست في البناء على أساس لا أخلاقي ولا إنساني بالتحالف مع قوى تمكين «إسرائيل» من البغي والارهاب.‏

بل هي تتحدد في المدى العاجل والمتوسط والبعيد في سياسة تعاين الارهاب الاسرائيلي وتدينه، وتنتصر لضحاياه المحتلة أرضهم، دون مخافة التهمة بـ «الاسلاموية» التي يرفعها علمانيون أتراك في وجه حزب العدالة والتنمية، حتى وإن أدى الى رفع تهمة كهذه الى الوقوع في فخ تنصبه نخب ثقافية في الغرب لـ «علمانيين» أتراك ولـ «يساريين» عرب، وهو طرح الضدية المطلقة بين الاسلامية وبين مهمة تحرير الأرض، على نحو ما يتورط فيه «يساريون» عرب، وفيهم فلسطينيون بمناوءتهم لحماس لمجرد كونها إسلامية!. حتى وإن قادتهم مناوءة كهذه الى التلوث بسلطة المنتفعين بأوسلو، تحت عنوانها المنتقى: مرجعية منظمة التحرير الفلسطينية!.‏

وقد خط أردوغان في رسالته هذه سطراً مفتاحياً: «لا يمكن تحقيق السلام دون مشاركة حركة حماس، والاكتفاء بالحوار مع محمود عباس».‏

ثالث هذه الرسائل وأهمها ما يتصل بالعلاقة بين العرب وجوارهم الجغرافي: إيران وتركيا.‏

إن المواقف الايجابية التي سجلتها تركيا منذ بضع السنوات لمصلحة العرب في قضية الصراع العربي-الاسرائيلي، تشكل قاعدة للسمت التركي الصائب في نسج العلاقة الصحية الحاملة للنفع المتبادل مع العمق العربي والاسلامي. وهو السمت نفسه الذي اختارته إيران بالثورة قبل 30 عاماً على نظام الشاه المتأورب المتأمرك والمفتوح على «إسرائيل» الغاصبة للأرض والحقوق العربية.‏

ولذلك فإن هذه المواقف التركية الايجابية توفر فرصة للقراءة في علاقات العرب مع إيران وتركيا من زاوية الأمن القومي للعرب.‏

ثمة في هذه العلاقات مرحلتان: تالية على 1948، وحاضرة مع طهران وأنقرة.‏

المرحلة الأولى شهدت التفافاً إسرائيلياً على الطوق القومي العربي، بآليته المعروفة بنظام مقاطعة «إسرائيل» وقد تمكنت «اسرائيل» بفعل التأورب في إيران الشاه وفي تركيا معاً، من تطويق الطوق العربي، بموقعين اسلاميين مؤثرين في المحيط الاسلامي وفي العمق العربي نفسه.‏

وكان أبرز معالم هذه المرحلة انخراط تركيا والعراق وإيران وباكستان في حلف بغداد ،ثم في اختلاط البترول الايراني والعربي في التدفق إلى «إسرائيل» بما يعنيه من شلل في نظام المقاطعة العربي.‏

في إيران بعد1979 تم تصويب هذه العلاقة مع العرب، فصارت عمقاً لهم، يؤازر أمنهم القومي في مقاطعة« إسرائيل» وصارت بما تملكه من خيرات وخبرات، جداراً استنادياً لكفاحهم من أجل الأرض والحرية.‏

وتركيا الآن تخطو في الاتجاه نفسه، خطوات وئيدة ، ولكن أكيدة.‏

فهل سيقابلها العرب بنكران جميل كالذي قابلوا به إيران؟!‏

بعض العرب وفي المقدمة سورية استرشدوا بمعيار الأمن القومي ، في قراءة باسقاط نظام بهلوي المتأورب المتأمرك على أنه خسارة محققة لـ« اسرائيل» وربح صاف للعرب.‏

لكن عرباً آخرين مضوا إلى آخر الشوط، بما في ذلك الحرب للنهوض بمهمة أمريكية الصنع، هي استحداث عدو قومي للعرب ، بصرف انتباههم ، ويبدد جهودهم وامكاناتهم ، عن العدو القومي الوحيد«اسرائيل»‏

وأخشى ما نخشاه في المرحلة المقبلة ، هو أن تقابل تركيا الأردوغانية بمثل ما قوبلت به إيران الخمينية:‏

نكران الجميل، في نبش الملفات العثمانية تارة، وحتى بالاتجار بالعلمانية «اليسارية»الزائفة تارة أخرى لإجهاض التوجه التركي الايجابي المستجد في انتهاج السمت الصائب للعلاقات التي يمكن ويجب أن تتوطد بين العرب ودول الجوار الجغرافي ، لما فيه المصالح الحقيقية والنفع المتبادل للطرفين.‏

siwan @scs-net.org

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية