تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


إذا حصل الطلاق برضا الزوجين.. هــل تخـتــلف آثـــاره على الأســـرة ؟

مجتمع
الاثنين2-2-2009م
ثورة زينية

يبقى انفصال الأهل دائماً تجربة مرة ومؤلمة بالنسبة الى الأولاد من دون أن يكون تأثيره مدمراً عليهم بالضرورة. إذا حصل الطلاق برضى الزوجين ومن دون مشكلات وإذا بقي الأهل الى جانب الأبناء في هذه المرحلة، قد يتحول هذا الوضع الى تجربة إيجابية،

لأنها تفسح المجال أمام الأولاد لمعرفة المكانة التي يحتلونها في حياة أهلهم.‏

قد يبقى الولد محط اهتمام أهله حتى خلال مرحلة الطلاق، ما يشعره باطمئنان كبير لأنه يعني لهم الكثير ولكنه سيفهم أن قصص الحب قد لا تدوم الى الأبد، لكنها لا تنتهي دوماً بعواقب كارثية. كذلك سيتمكن، بعد انتهاء العاصفة ومرور بعض الوقت، من استعادة نمط حياته الطبيعي ولو بشكل نسبي.‏

تقول خبيرة علم النفس الفرنسية ماري لوسيان إن لدى اتفاق الزوجين على الطلاق عليهم إطلاع الولد قبل المباشرة بأخذ أي تدابير. ومن المهم جداً إعطاء الولد حق طرح الأسئلة والحصول على الأجوبة المناسبة. كذلك إذا شعر بالرغبة في التحدث عن هذا الموضوع مع طرف ثالث، على الأهل أن يدعوه يفعل ذلك، فالطلاق ليس سراً أو أمراً مخزياً. كذلك، عليهم إفهامه أن والديه لم يعودا زوجاً وزوجة، وقد كانا كذلك قبل ولادته، لكنهما ما زالا والديه وأنهما تحابا كثيراً لذلك أراداه أن يولد، أما الآن فقد خبت شعلة حبهما ولم يعد بإمكانهما العيش معاً تحت سقف واحد، رغم ذلك، سيبقيان دائماً والديه وسيسهران على راحته. كما يجب عدم إطلاع الولد على تفاصيل الخلاف حتى ولو طلب هو ذلك. غالباً ما يكتسي هذا السؤال طابعاً خفياً وهو رغبة الولد بالاطلاع على خبايا الحياة الزوجية، فمن شأن ذلك في بعض الأحيان أن يولّد صورة ضبابية في تفكير الطفل عن أبيه الزوج وأمه الزوجة ويكسر الصورة التي كونها عن كل منهما. ولأن أسباب زوال الحب والمشاعر التي يكنها الواحد تجاه الآخر معقدة جداً وحساسة، يعجز الولد عن فهمهما. إذا شعر الأهل بأن معاناتهم تمنعهم من إعطاء التفسيرات الى الولد، عليهم أن يصارحوه بذلك من دون لف ودوران ويمكنهم أن يوكلوا هذه المهمة الى شخص راشد مقرب من العائلة.‏

وتنصح الخبيرة النفسية بضرورة وجود الأهل الى جانب الطفل أثناء الطلاق، والى اهتمامهم به أكثر من أي وقت مضى كي يفهم ما يدور من حوله ويهدىء من روعه ويجد الأجوبة على التساؤلات التي تقض مضجعه: «هل سأخسر شهرتي؟ هل سأتمكن من الاحتفاظ بأغراضي؟ هل سأقيم في المنزل ذاته؟ متى سأرى والدي؟ ماذا إن تزوج بامرأة أخرى وأصبحت هي أمي..؟» كلها علامات استفهام مؤلمة قد لا يعبر الطفل عنها لأنه غالباً ما ينغلق على نفسه في هذه المرحلة، لخشيته من أن تزيد أسئلته من معاناة والديه، لكن على هؤلاء التكهن بها والاجابة عنها.‏

أما في مرحلة ما بعد الطلاق سيترتب على ا لولد دفن حياته الماضية وتأسيس حياة جديدة، لذا على والديه مساعدته، يكمن السبيل الأمثل بتجنب الأوضاع التي قد تنعش آماله بعودة الأمور الى سابق عهدها، وتأكيد الأهل للطفل بالقول وبالفعل أنه لم يخسرهما. فالولد الذي ينقطع أحد والديه عن زيارته، أو الذي يستمع إليهما وهما يتشاجران بسبب الأمور المادية سيعتقد أنه عالة عليهما أو حجر عثرة في طريقهما. من هنا على الوالدين أن يسويا على حدة خلافاتهما المالية من دون زج الولد فيها وينظما أمورهما الحياتية كحقوق الزيارة والنفقة، بواسطة القضاء. في هذا الاطار لا بد من تحذيرهما بأنه لا يحق لأي منهما أن يحرم الولد من أحدهما وإلا زعزع استقراره النفسي وصورة الأسرة بنظره.‏

يُقال إن الوقت كفيل بالتئام الجراح. هذا صحيح في معظم الأوقات. سامر (12 عاماً) الذي انفصل والده قال: شعرت بألم كبير عندما انفصل والداي. في ذلك الوقت لم يتمكن والداي من تفسير ما يحدث لأن المسألة معقدة جداً وفي وقت لاحق شرح لي والدي أنني سأمضي أسبوعاً لدى كل منهما وبعد فترة اعتدت على ذلك. وأنا الآن سعيد جداً بحياتي الجديدة كما أن والداي يهتمان بي كثيراً ولو أن كلاً منهما يفعل ذلك على حدة.‏

في معظم الأحيان لا تنتهي حياة المرء العاطفية بعد الطلاق، يعيد معظم الناس بناء حياة جديدة مع شريك آخر وهذا ما يقلق الولد. وترى الباحثة أنه على الوالدين أن يطمئنوه على: أن الزوج الجديد لن يحل محل الأم أو الأب الفعلي، لكنه سيحبه كما لو أنه كذلك وسيشارك في تربيته والاهتمام به أي أنه ليس مضطراً لحب الزوج الجديد ولكن عليه التصرف معه بشكل حضاري.‏

وأخيراً في أثناء الطلاق سيضطر الوالدان الى مواجهة عدو لدود ألا وهو الشعور بالذنب، حتى ولو كان ذلك غير مبرر. فالزواج كما الطلاق قائم على رضا الطرفين والاحترام المتبادل، كما أنه تصرف شجاع لأنه يقتضي التمتع بالقوة اللازمة لرفض حياة غير مرضية عوضاً عن استعمال الولد كذريعة (نحن لم ننفصل من أجلك...)، سيشعره ذلك بالذنب لأن سبب تعاستهما.‏

يعتبر الطلاق أحياناً أفضل من الاستمرار في الحياة الزوجية المليئة بالشجار والصراخ وتبادل الاتهامات.. لأن هذه الأمور كلها تسيء الى الطفل بشكل كبير وتولد لديه فكرة سوداء عن الحياة العاطفية، سترافقه دائماً.‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية