|
واشنطن بوست وتشخص عيونهم إلى أفق ممتد من سنوات العنف الدموي والركود الاقتصادي والاضطراب السياسي». وتشير عودة -ميتشل- هذا السياسي الأميركي البالغ من العمر خمسة وسبعين عاماً إلى أداء نفس الدور التفاوضي في منطقة الشرق الأوسط.. ولا يخفى على أحد أن الأغلبية من التعقيدات والمهام التي تواجهها إدارة أوباما ليست جديدة في مجملها، كما إن عناصر الاستراتيجية التي انتهجتها إدارة أوباما ليست جديدة هي الأخرى. وعندما يسمع معظمنا في أميركا بـ «تقرير ميتشل-» نتذكر أفكار- روجر كليمينز- وتعاطي المنشطات الممنوعة في إحدى المبارزات الرئيسة في كرة البيسبول. وقد ترأس -ميتشل- لجنة دولية لأداء مهمة في الشرق الأوسط في الأيام الأخيرة لإدارة بيل كلينتون. وعندما وصلت اللجنة إلى الشرق الأوسط، وجدت أن الأوضاع شبيهة جداً بما هي عليه اليوم من عدة نواحٍ. ووقتها كانت تتصدر عناوين الصحف والنشرات الاخبارية أخبار العنف الدموي الفلسطيني- الإسرائيلي، وإنهاء مشروع حل الدولتين الذي تؤيده واشنطن. وكما حصل في ذلك الوقت، كانت استطلاعات الرأي العام الإسرائيلية السابقة للانتخابات، تشير إلى فوز المرشح اليميني المتطرف. وكان للتوصيات التي رفعها ميتشل لإدارة بوش أثناء شهورها الأربعة الأولى في البيت الأبيض علاقة كبيرة بما يحصل حالياً. فقد أوصى -ميتشل- بوقف لإطلاق النار، على أن تتبعه سلسلة إجراءات لبناء الثقة بين الطرفين. وكان الغرض من تلك التوصيات تأمين بيئة تستطيع فيها محادثات السلام أن تثمر بين الجانبين. وشملت توصيات ميتشل أيضاً أهمية إصلاح السلطة الفلسطينية وضمان وقف هجمات المقاومة على «إسرائيل» وبالمقابل طالبت توصيات ميتشل «إسرائيل» بتجميد جميع أنشطتها الاستيطانية في قطاع غزة والضفة الغربية. وبخصوص هذه التوصية الأخيرة، كتب ميتشل والسيناتور السابق وارن رودمان- مقالاً في وقته عبرا عن آرائهما في صحيفة -الواشنطن بوست- أكدا فيه أن استمرار «إسرائيل» في توسيع أنشطتها الاستيطانية يقوض ثقة الفلسطينيين بجديتها في التفاوض السلمي معهم، بما يحقق حلمهم المتمثل بقيام دولتهم الفلسطينية المستقلة. إن الخطوة المبدئية التي أعلن عنها الرئيس أوباما تجاه الشرق الأوسط تبدو شبيهة بالتوصيات السابقة التي رفعتها لجنة ميتشل. ووفقاً لتصريح أوباما لصحيفة -الواشنطن بوست- أخيراً، فإنه يهدف لتأمين مناخ يساعد على بناء الثقة بين طرفي الصراع. وبناء على ذلك، فإن -ميتشل- ليس بحاجة لإحداث تغييرات في توصياته السابقة. فما أشبه اليوم بالبارحة، فالشرطان الأساسيان والضروريان اليوم لإحداث أي تقدم نحو التسوية السلمية هو وقف الهجمات التي تشن ضد «إسرائيل»، بينما على «إسرائيل» تجميد جميع أنشطتها الاستيطانية في الضفة الغربية وقطاع غزة. لكن المشكلة أن خطة ميتشل لعام 2001 كان نصيبها الفشل. وبعد أن وافق عليها طرفا الصراع، وجرت مناقشات بخصوصها لأكثر من عام، وتم وضعها أخيراً في مشروع «خطة الطريق» الذي تبنته إدارة بوش الابن في عام 2002 كان نصيبها الفشل، كما كان الفشل نصيب «خارطة الطريق» ذاتها التي لم تثمر عن أي شيء إيجابي في نهاية الأمر. فلم تستطع السلطة الفلسطينية وقف هجمات المقاومة على «إسرائيل» بالرغم من تكرار وعود هذه السلطة الضعيفة، وفي الوقت نفسه، رفض -شارون- في حينه وضع حد لنشاط التوسع الاستيطاني في الأراضي الفلسطينية. وحالياً يواجه ميتشل وضعاً أسوأ بكثير عما كان عليه الحال عام 2001. فبعد رحيل ياسر عرفات أصبحت السلطة الفلسطينية ضعيفة جداً، بينما لا تزال حماس تزداد قوة ومستمرة في فرض سيطرتها على غزة بالرغم من الحرب الإسرائيلية ضدها، والتي لم تحقق «إسرائيل» في هذه الحرب أي هدف من الأهداف التي قامت من أجلها. وإذا صحت استطلاعات الرأي العام الإسرائيلية السابقة للانتخابات القادمة في العاشر من شباط القادم، فإنه من المتوقع فوز بنيامين نتنياهو المتشدد بمنصب رئيس الوزراء، وهو نفسه الذي كرَّس ولايته السابقة لتسميم مفاوضات السلام مع الفلسطينيين، إضافة إلى تسميمه للعلاقات مع واشنطن أيضاً. لذلك لماذا العودة إلى خطة ميتشل ثانية؟ قد يبدو قرار أوباما محافظاً بعض الشيء، في وقت يدعو فيه أحد الدبلوماسيين القدامى في الصراع الفلسطيني- الإسرائيلي إلى مراجعة جذرية للاستراتيجية الأميركية تجاه الصراع، ومن الأساس. ومن الطبيعي أن يستمع أوباما ووزيرة خارجيته هيلاري كلينتون إلى ما سيقوله قدامى المستشارين في إدارة كلينتون، أمثال -دينيس روس- الذي عُين مستشاراً للخارجية الجديدة. ويعتقد -روس- أنه بالإمكان بناء الثقة بين طرفي الصراع إذا أظهرت الدبلوماسية الأميركية رغبة وهمة للوصول إلى أهدافها، وإذا طالبت الإدارة الجديدة طرفي الصراع باتخاذ خطوات عملية، ومارست المزيد من الضغوط العلنية على المتطرفين الإسرائيليين، لأن ذلك يساعد على إعادة الوضع إلى ما كان عليه في تشرين الأول عام 2001 على أقل تقدير، وهو الوقت الذي تولى فيه -ميتشل- أول مهمة له من رئيس أميركي إلى الشرق الأوسط. وبهذا تعود الحلقة المفرغة في الشرق الأوسط إلى نقطة الصفر، ويعود -جورج ميتشل- إلى وسط الحلقة المفرغة ثانية من جديد. |
|