تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


انسحب أردوغان وصفقنا لبيريز..!

آراء
الاثنين2-2-2009م
جلال خير بك

انسحب رجب طيب أردوغان من الجلسة التي جمعته بشيمون بيريز رئيس الكيان الصهيوني، انسحب محتجاً على لهجته وعلى ما قاله عن غزة، مسجلاً بذلك موقفاً تعاطفياً مع المقاومة في غزة موقفاً لم نره من بعض الزعماء العرب

ممن لم تثرهم دماء أهلهم وهي تسيل في القطاع بفعل الهجمة الصهيونية التي ألهبت شوارع العالم ومزقت القناع الزائف الذي طالما تسترت الصهيونية خلفه.‏

وموقف أردوغان هو صورة لتعاطف الشعب التركي ومسؤوليه معنا «نحن العرب» ومع قضيتنا في غزة الصامدة وفلسطين.‏

إن غزة التي تلملم الآن جراحها وينصب أهلها الخيام ليعيشوا تحتها بعد أن دمر الصهاينة منازلهم هي بحاجة عاجلة إلى المساعدة والتآزر والتعاضد معها أكثر من حاجتها إلى مماطلة الحكام العرب ومماحكاتهم الكلامية وشروطهم المعيبة قبل أن يمدوا لها يد العون ويضمدوا جراح أهلها ويفكروا بمصير وحماية الأطفال الذين فقدوا أهلهم ولم يبق لهم نصير.‏

إن موقف رئيس الوزراء التركي يفضح مواقف أولئك الحكام الذين يصرون على فرض شروط إسرائيلية على شعب أعزل قبل أن يطعموا أفواهه الجائعة ويؤمنوا لهم حبة الدواء ويعيدوا بناء بيوته التي هدمها القصف وينتشلوا المشردين في العراء.‏

إلى هذا الدرك انحط الموقف العربي الرسمي؟ وإلى هذه الدرجة تبلدت أحاسيسه؟ إن مناظر شوارع غزة المفلوحة ومنازلها التي سويت بالأرض وأشلاء أطفالها في الشوارع وتحت الأنقاض، حركت مشاعر شوارع العالم وأحاسيسه ولم تجد في بعض المشاعر العربية الرسمية سوى السعي والبحث عن حلول ترضي مجرمي تل أبيب وأسيادهم وتسلب من المقاومة الفلسطينية وشعبها الأعزل روح الصمود والثبات والتشبث بالأرض والحقوق.‏

إن العديد من الأصوات الأجنبية وبعض الأصوات العربية الرسمية تتعالى هنا وهناك للجد في مراقبة الحدود والمعابر كي يضمنوا عدم وصول قطعة سلاح إلى مقاومي غزة وهم في الحقيقة يحجبون ويمنعون عنهم وصول المساعدات الإنسانية من أغذية وأدوية وطواقم طبية ليلووا أذرعهم ويكسروا إرادتهم كي ينصاعوا ويصبحوا حملاناً تقودهم وتذبحهم الصهيونية كيفما أرادت وبحجة السعي الدائب والبحث عن السلام فأي سلام هذا؟!‏

ولعل المفارقة الأكبر في «دافوس» ليست غضب أردوغان وانسحابه من الجلسة انتصاراً لغزة بل بفعل مسؤول عربي يتبوأ منصباً عربياً رفيعاً، مسؤول طالما تغنينا بعروبته ووقوفه إلى جانب الحق العربي: حين صفق لكلمة المجرم الصهيوني بيريز في حين كان منصبه يفرض عليه أن ينسحب من الجلسة قبل أردوغان.‏

لقد انتظرت الجماهير التركية رئيس وزرائها بالتصفيق الحار والهتافات المؤيدة والأعلام الفلسطينية بينما تقابل الجماهير العربية الأمين العام للجامعة العربية بالحنق والاحتجاج والشعور بالخزي والعار، فماذا حدث لبعض المسؤولين العرب؟.‏

وماذا حل بنخوتهم العربية؟ وأي انحدار هذا وأي درك وصلوا إليه؟.‏

لقد دفعت الجرائم التي ارتكبتها الصهيونية في غزة جماهير العالم إلى التعبير عن غضبها بينما يصفق أمين عام الجامعة العربية لرئيس هذا الكيان بعد كلمته في «دافوس»! وهذا مالم يتحمله رئيس الوزراء التركي فانسحب من القاعة وقال: كان حرياً بعمرو موسى أن ينسحب من الجلسة لا أن يصفق لبيريز الذي أباح دماء الفلسطينيين في غزة.‏

أيها المنسلخون عن شعوبهم وأمتهم: إن غزة تحاول أن تضمد جراحها بينما أنتم ماضون في بحثكم عما يكمم أفواه أهلها ويشل أيديهم ويكبل مقاومتهم حتى إنكم تبحثون -مع الصهاينة- عن أفضل الطرق لاستمرار غزة سجناً كبيراً لأهلها ومقاومتها وتشترطون لفتح المعابر إلقاء السلاح والامتثال لأوامر أسيادكم كي تمرروا لأهلها وجرحاها حبة دواء أو كسرة خبر، فمن أي طينة أنتم مجبولون؟ ولماذا تعملون في الخفاء لقتل كل بوادر المقاومة في غزة وغيرها؟ ألأن ذلك يرضي أعداءنا ويرضي أسيادكم؟ لكن لا بد أن تعلموا أن العالم كله يرفض الاعتراف بكم، ويرفض وجودكم لولا دماء المقاومة والشعب في غزة وغيرها ولولا دفاع تلك الدماء عن الوجود العربي كله وعن الكرامة العربية.‏

إن دول الممانعة الشقيقة والصديقة التي وقفت مع القضايا العربية لم تلق منكم إلا مواقف العداء ولم تلق المقاومة ذاتها إلا استهزاءكم والنعوت التي أسبغتموها عليها، فكيف تستردون الحقوق العربية وتدافعون عن الدم العربي المراق؟.‏

وحين غضب أردوغان وانسحب من جلسة «دافوس» قال شيمون بيريز: لقد غضب من أجل غزة لأنه لا يعرفها فليسأل الرئيس المصري لأنه يعرفها أكثر! نعم وجميع من وقفوا ضد المقاومة الفلسطينية يعرفونها أكثر ويعرفون كيف يداوونها ،إن غزة وشعبها ومقاومتها عرب صامدون وأولئك المتخاذلون ليسوا عرباً إلا بالأسماء والأزياء فقط، فهل تتبرأ منهم الدماء العربية المسفوحة؟!.‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية