|
آراء دستوفسكي «الجريمة والعقاب»، واستحضرت بطلها «إيفان» الذي حاول أن يكون مجرماً شبه محترف، بإخفاء الأدلة عما ارتكبه من جريمة، باتت تلاحقه في حياته وفي شرابه، وحتى في سباته. وإذا كان «إيفان» تفنن في إخفاء الأدلة، إلا أن «إسرائيل» لم تستطع، وهي التي تمارس الإجرام بأستاذية واحتراف أن تخفي الأدلة، بل هي تحاول أن تتلاعب بها، أو تقفز فوقها بادعاءات واهية، ولا أساس لها من الصحة، تطرح الذرائع على نحو مخيف ومخادع.. ومع هذا فقد ضبطت بالجرم المشهود، وهي متلبسة وعن قصد. ولن تفلت «إسرائيل» هذه المرة من العقاب، حيث تشير كل الوقائع إلى أنها ارتكبت وعن سابق إصرار وترصد وتصميم جرائم حرب وبامتياز على شعبنا في غزة، ولقد بينت الصورة بالدليل القاطع أن «إسرائيل» كانت قد خططت، وبقرار حربها على غزة، لنشر المجازر، وتعميمها، ولا سيما حيال الأطفال والنساء والمدنيين، ولم يكن استمرارها بالقصف من البحر والبر والجو على البشر والشجر والحجر، إلا من أجل أن تتشفى من أهل غزة، ومن أبنائها، ومن صمودها البطولي حين واجهت بكل صلابة وعزم وإصرار الحصار الإسرائيلي الذي لو استطاع وعلى مدى ثمانية عشر شهراً أن يمنع الهواء عن غزة، لما تردد في ذلك.. لكن غزة العصية على الاستسلام، والقوية في صمودها وإرادتها تحدت الحصار، ولم تجد «إسرائيل» إلا النار لإرضاخ غزة وإخضاعها لمشيئتها واحتلالها ولم يكن من سبيل إلى ذلك إلا بتحويل غزة إلى حمام دماء، وإلى ركام وهدم وتخريب. منذ اليوم الأول للعدوان الإسرائيلي الوحشي والقاسي على غزة، أصدر الحاخام الصهيوني عفوديا يوسف أوامره الربانية لجنود وضباط الاحتلال بقوله: «اسحقوا غزة، وليبارككم الرب»!!، ولما لم يستطع مجرمو الحرب في «إسرائيل» سحق غزة، سئل أثناء العدوان، حيث القصف ما زال على أشده ووحشيته، الوزير الإسرائيلي السابق افيدور ليبرمان زعيم حزب «إسرائيل بيتنا»، والذي كان في ائتلاف كاديما في الحكومة الإسرائيلية، عما يمكن فعله في غزة من أجل القضاء على المقاومة وتحقيق النصر «لإسرائيل»؟ فأجاب وبكل وقاحة وعنصرية وفاشية: علينا أن نفعل ما فعله الأميركيون حيال اليابانيين في الحرب العالمية الثانية!!.. أي استخدام القنابل النووية، وقذف الفلسطينيين في غزة بهذه الأسلحة الفتاكة. وقد فعلتها «إسرائيل» بكثير من أسلحة الدمار المحرمة دولياً، اعتقاداً منها أنها ستظل خارج المساءلة والمحاسبة والعقاب. لكن ظنونها ذهبت أدراج الرياح هذه المرة، ولم تتمكن حتى من أن تدفع التهمة والادعاءات عما ارتكبته، ولم تستطع أن تكذب الشواهد والأدلة، وهي مثبتة بالصوت والصورة والممارسة والموقف على أن ما قامت به في غزة هو جريمة حرب، وحرب إبادة حقيقية للأطفال والنساء والمدنيين. ومن هنا تعالت الدعوات، وتضامنت الجهود على المستويات السياسية والقانونية لرفع دعاوى أمام المحاكم الجنائية الدولية، وأمام كل محكمة مخولة بالنظر في جرائم الحرب وعلى كل المستويات، وفي أربع جهات العالم. وفي هذا الشأن قدم تحالف حقوقي دولي مكون من 320 جمعية حقوقية دعوى إلى المدعي العام في محكمة الجنايات الدولية في لاهاي لمباشرة التحقيق في ارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية على قطاع غزة ومحاكمة قادتها.. وهذا يعني تلقائياً أن المنظمات الحقوقية الدولية لن تقبل بعد اليوم أن تمر جرائم «إسرائيل» دون محاسبة، لأنها جرائم مرعبة ويجب على العدالة أن تقول كلمتها. بالنتيجة إن «إسرائيل» اليوم في قفص الاتهام، وهي تعرف ذلك، قبل غيرها، لذلك وحين سئلت تسيبي ليفني وزيرة الخارجية الإسرائيلية عن التعتيم الإعلامي للحرب على غزة من قبل الحكومة الإسرائيلية، وجدت في هذا السؤال فرصة سانحة كي تصب جام غضبها واستنكارها لعلى ما تقوم به الفضائيات من عرض صور لأطفال غزة القتلى والجرحى، وطالبت بالكف عن ذلك!!.. لقد نسيت ليفني أن الآلة الحربية العدوانية الإسرائيلية هي التي تفعل ذلك بالأطفال، وأن إخفاء الحقيقة لا يخدم الجريمة الإسرائيلية، وكعادتها في الحروب الاستباقية سارعت «إسرائيل» وبتكليف من أولمرت رئيس حكومة تصريف الأعمال إلى تشكيل لجنة برئاسة داني الفريدمان وزير عدله للتعامل مع الدعاوى التي ستقام على «إسرائيل» لإقدامها ولمعرفتها المسبقة أيضاً أنها ارتكبت جرائم حرب، كما منعت نشر أسماء قادة الوحدات العسكرية التي شاركت في العدوان خوفاً من الملاحقات القضائية. فماذا بعد؟ |
|