تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


امتياز في الحياة وفي الممات

معاً على الطريق
السبت 23-3-2013
أحمد ضوا

أضاف «الظلاميون التكفيريون الجدد» جريمة ثلاثية الأبعاد إلى سجلهم الإرهابي، باستهدافهم الرجل الوطني العلامة الدكتور محمد سعيد رمضان البوطي،

الذي قضى شهيداً مع مجموعة من طلاب العلم في جامع الإيمان بدمشق، وهم بذلك قدموا صورة حقيقية عن جهلهم بقيم وتعاليم الإسلام الذي يتلطون خلفه لتحقيق مآرب مشغليهم الحاقدة.‏

يعرف السوريون جيداً الشهيد البوطي، ويعرفون أيضاً تمنيه في جميع خطبه ودروسه الدينية أن يقضي شهيداً في سبيل الله، لمعرفته الحقة بمنزلة الشهيد، وها هم الجهلة والحاقدون يحققون له أمنيته بالشهادة في أطهر الأماكن، وهو بيت الله.‏

لم يكن البوطي منذ اليوم الأول للحرب الكونية على سورية يهتم إلا بقول كلمة الحق التي يقتنع بها، ودائماً كان يدعو إلى المحاججة بالعقل والوعي والتبصر بكتاب الله «القرآن الكريم»، وبقيم الإسلام السمحة، وبالعلم والمعرفة والابتعاد عن كل ما يخالف ذلك، ورغم الوعيد والتهديد والترهيب بقي متمسكاً بمواقفه النابعة من فهمه ووعيه لما يتعرَّض له وطنه وشعبه، وأيضاً لإدراكه حقيقة استهداف جوهر الدين الإسلامي من داخله، مجسداً في ذلك إيمانه وفكره المعتدل المغلّف بإصراره على الاستمرار بدوره الديني والتعليمي والاجتماعي، إلى أن نال ما أراد وهي الشهادة في سبيل الله وقول كلمة الحق.‏

لم يكن لدى الشهيد البوطي مشكلة مع من يخالفه الرأي، وكان من دعاة الحوار، ونبذ العنف والتطرف، والغلو في الدين، والدعوة إلى ترجيح كفة العقل في التعاطي مع كل الأمور، وخاصة في الشأن العام، وكان يعبّر عن موقفه وقناعته بكل وضوح، ولذلك لم يعجب سلوكه وفكره الظلاميين والجهلة الجدد الذين استبدلوا عقيدتهم وإسلامهم بعنصرية أعداء الأمتين الإسلامية والعربية «من ليس معنا فهو عدونا»، فقاموا باغتياله مع العديد من تلامذته بطريقة تعبر عن حقيقتهم الإرهابية الإجرامية الدونية المجافية لأبسط القيم البشرية والإسلامية.‏

إن استشهاد العلامة البوطي في هذا المقام الطاهر دليل على صوابية نظرته وتحذيراته من أولئك الظلاميين الحاقدين الذين حاول الشهيد وأمثاله إعادتهم إلى رشدهم ودينهم طوال العامين الماضيين، وكذلك هو رسالة إلى كل السوريين - وخاصة من انطلت عليهم الشعارات وأعمت قلوبهم الإغراءات والوعود وضُللت عقولهم بالفتاوى التكفيرية - للتبصر والاعتبار، فمن يستهدف جامعاً وطلاب علم وعالماً وشيخاً وخطيباً ومدرساً وكهلاً أفنى حياته كلها في خدمة دينه وأمته؛ لن يوفر أحداً يخالفه في أي شيء، وشهادة العلامة البوطي يجب أن تشكل نقطة تحول لدى كل هؤلاء للعودة إلى رشدهم، وخاصة أن الأبواب مفتوحة من الدولة والمجتمع في سبيل عودة الأمن والاستقرار إلى الوطن.‏

لقد فقد الشعب السوري والإسلام باستشهاد العلامة البوطي قامة دينية وفكرية وعلمية معتدلة لا تعوّض رغم ما تركه من إرث سيبقى منارة للأجيال.‏

إن أمنية العلامة البوطي بالشهادة تحققت بإذن الله بامتياز في ثلاثة أمثال.. فهو شهيد المنبر، وشهيد المسجد، وشهيد في سبيل العلم وبناء الإنسان. وشهادته مع تلامذته وكل الشهداء المدافعين عن كرامة وحرية الشعب السوري وسيادة وحياض الوطن ستبقى مخرزاً في أعين كل جاهل وحاقد ومجرم وإرهابي، ومن يدعمهم ويمدهم بالمال والسلاح داخل سورية وخارجها، والأيام القادمة ستكشف لهؤلاء أن ما أرادوه من اغتيال العلامة البوطي وتلامذته سينقلب وبالاً عليهم وعلى كل من ولاّهم.‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية