تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


شهوة الإرهاب .. واليقين السوري

الافتتاحيــة
السبت 23-3-2013
بقلم رئيس التحرير عـــلي قــاســـــــم

يستحضر التاريخ شواهده ومعها أوراقه وأدلته وقرائنه، وينفض الغبار عن حقائبه المركونة بحثاً عن تفسير يصعب التقاطه، وعن شرح يستحيل الوصول إليه، بعد أن استباحت شريعة الغاب كل الأعراف الوضعية منها والطبيعية، لتقف أمام الحقائق المرّة المضمخة بالدم السوري ليكون الشاهد الأبدي من جديد.

في لحظة يغالي الحقد في حضوره، ويتفشى الإرهاب في تصدره، قد لا تكفي كل الشواهد لتشبع نهم الاستفسارات المتدفقة، ولا لتوقف سيل التساؤلات المرّة والعاجزة جميعها لا تستطيع الاقتراب من عتبة إجابة ولو كانت متواضعة لما حصل ويحصل، ولا تكفي كل الإجابات لوقف غليان الأسئلة القلقة التي تتدفق كشلال الدم السوري الذي لا تريد له يد الغدر والإجرام أن يتوقف.‏

فحين يصبح الإرهاب رهين شهوته على مجامع الأرض السورية، وينتصب خلف الأكمة الزائفة التي أوغلت في إشعال نهج التكفير والظلامية كمظلة تستوطن خلفها تلال من التغول للدم وللقتل وللانتقام من التاريخ والوجود وكينونة الحضارة، عند هذه اللحظة من حق السوريين أن يتأملوا رغم سخونة المشهد وحرارة الاندفاع ما يجري وأن يعيدوا رسم القراءات وان يستوضحوا بعض ما كان مؤجلاً في كثير من التفاصيل وحتى العناوين.‏

وعندما يزرع الحقد الأسود في جنبات الوطن القتل والدمار بحثا عن قصص موت جديدة تضاف إلى قائمة الموت المعدة للسوريين الذين ينادون بالخلاص لسورية ويرفضون الدم والقتل والظلامية والتكفير أيضاً سيكون من حق السوريين أن يبحثوا في الأوراق التي يستحضرها التاريخ وينبشوا في ملفات الحاضر والماضي استعداداً للمستقبل الذي لا تستطيع قوة في الدنيا أن ترسمه أو تحدده إلا بما يرضاه السوريون.‏

منذ البداية لم تكن هناك أوهام حول الإرهاب الذي فتحت له مشيخات الخليج خزائنها ليسترد منها ما راكمته دولارات النفط، وفي الوقت ذاته لم تكن هناك طلاسم أو ألغاز يصعب حلها، حين ذهب عتاة الغرب وأمراء الأطماع الاستعماري يصدرون ما استوطن من إرهاب في عواصمهم، وما اجتمع في سجونهم من قتلة ومرتزقة، جاءت لحظة الخلاص ليكونوا نذر الموت المنتظر، وبضاعة القتل المؤجل وأدوات الإجرام المنظم.‏

ومنذ البداية أيضاً كان الفعل الإجرامي يترصّد الأزقة الموغلة في الدم السوري، بحثاً عن إشباع يتوجّس ريبة مما يتناثر من بقع الدم المتجمدة في المدن والبلدات والقرى السورية، مثلما كان يتصيد المخارج الباحثة عن ذرائع جديدة للموت السوري بخناجر الأشقاء وسكاكين الجوار ورصاص الأعداء.‏

بلاد الشام وأئمتها.. السوريون وأنفارهم على امتداد الأرض التي حضنتهم، ومشارب الكون التي تتقاطع على مفارق تاريخهم، تستنجد اللحظة الفارقة بين زمنين تستعصي على الأول أزلية الصراع المتحوّل، فيما تتوضّح أبعاد وأغراض هذا الإرهاب بشهوته المفتوحة في الثاني.‏

وفي الزمنين يدركون ذلك الفارق، ويتقنون المسافة الفاصلة بينها وبين غلاة الجمع والخلط وهم يوقنون أنهم قادرون اليوم أكثر من أي وقت مضى .. على الفرز والتفريق .. على التحديد الأدق لكل المفازات، من اجل أن يدفنوا وإلى غير رجعة شعارات كذبت ونداءات افترت، و عمائم أفتت بالقتل وبالدم واستباحت المحظورات والمحرمات وتجاوزت كل الخطوط والسقوف.‏

لم يكن السوريون بحاجة إلى أدلة وفي أرضهم وبين أبنائهم ومن خلال دمهم مئات الشواهد والقرائن، ولم تكن لديهم أي شكوك في النيات والخطط ولا أية هواجس حول المسارب التي تقود إليها، وفي الدروب التي تتجه إليها، وآلامهم الموزعة في جنبات الوطن كانت تحكي وتروي كل يوم وتضيف وتسجل كل لحظة، لكن في كل إضافة، وفي كل فصل، وعند كل منعطف، ثمة مساحة للتأمل وللتدقيق وأحياناً للتصويب.‏

اليوم يقف التاريخ هنا، وحين يقف التاريخ في دمشق على الجميع أن يستذكر الصفحات التي مضت، وأن يتخيّل ماذا سيأتي بعدها، وما هي السطور التي لم تكتب بعد، لأن لوقفة التاريخ حدّ فاصل، على الأغلب ما قبله لا يتشارك مع ما بعده، وما كان قابلاً للنقاش بات بعيداً حتى عن الطرح، هي المعركة التي فتحتها يد الغدر، حيث اليقين السوري اليوم يتجدد، ويستعيد وميض حضوره في الوجدان السوري، وفي الذاكرة السورية ليكون دم الشهداء دائماً رسالة الخلاص، وطريق الحسم في المواجهة المفتوحة حتى النهاية.‏

a.ka667@yahoo.com

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية