|
دراسا ت إنهم يتحركون إلى نقطة التجمع الأخيرة في منطقة سهل البقاع وبعضهم عاد إلى أرض الوطن بعد أن أدوا واجب الشرف والكرامة في لبنان. ورغم هذا كله يصر الرئيس الأميركي على جعل مسألة وجود أربعة عشر ألف جندي سوري منتشرين في مناطق متفرقة من لبنان رغم اعتزام سورية سحبهم في إطار اتفاق الطائف, يصر على جعل هذا الوجود الرمزي للجيش السوري في لبنان شغله الشاغل وقال إنهم يشكلون احتلالا للبنان في ما أكثر من مئة وثلاثين ألف جندي أميركي (صديق) في العراق يقتلون ويغتصبون ويعتقلون في كل يوم عشرات العراقيين. في كل يوم تصريح للرئيس بوش, رئيس الولايات المتحدة الأميركية, القوة الأكبر والأعظم في العالم, القوة التي تلقي بقنابلها فوق رؤوس البشر يمينا ويسارا, في كل يوم للرئيس الأميركي تصريح يطلب فيه انسحاب الجيش السوري من لبنان.. لماذا يريد الرئيس بوش أن يخرج الجيش السوري من لبنان? الاجابة عن هذا السؤال توضح الاسباب التي تدفع بوش إلى تشديد قبضته على المنطقة وإلى زيادة ضغطه على مواقع الممانعة لمخططاته ومخططات إسرائيل ورئيس وزرائها ارييل شارون. فهو أولا يريد أن يغطي على عجز جنوده في العراق ويحمل سورية مسؤولية ذلك, وهو يتهم سورية بدعم المقاومة الفلسطينية ويريد أن يخفي معالم ما يجري على الأرض الفلسطينية أيضا. هذا أول أسباب مطالبة الرئيس بوش بانسحاب الجيش السوري من لبنان, إنه الثأر لهزيمة إسرائيل في الجنوب, ويعتقد بوش ومعه إسرائيل وهو ما ردده رئيس وزرائها آرييل شارون ووزير خارجيته سيلفان شالوم, يعتقدون جميعهم, أن تحريك الوضع الداخلي في لبنان والضغط على سورية يمكن أن يحقق مجموعة أهداف منها: تحويل لبنان إلى بؤرة توتر من جديد يجري استغلالها من قبل إسرائيل لممارسة دورها التخريبي في لبنان, ما يجعل أمنه واستقراره تحت رحمتها. إبرام تسوية على غرار اتفاق أيار الساقط مع لبنان تنطلق منه لتشديد حصارها على سورية والخروج من أزمتها داخل الأراضي المحتلة. وضع المجتمع الأهلي اللبناني تحت تهديد الاقتتال الداخلي مع محاولة تجريد حزب الله والمقاومة الوطنية اجمالا من سلاحها. وقد بدأت بوادر الاتجاه نحو نزع سلاح حزب الله عبر القول إن هذه المسألة هي موضع نقاش داخلي بين اللبنانيين. تسوية الاذعان مع لبنان وتجريد حزب الله من سلاحه يحقق الثأر المزدوج لإسرائيل والولايات المتحدة. فالمقاومة اللبنانية وبمساعدة من سورية حررت الجنوب وهزمت الجيش الذي بقي محتلا للجنوب اثنين وعشرين عاما. ولنذكر أيضا أن الجيش السوري هو بطل حرب تشرين التحريرية إلى جانب الجيش المصري. محاولة عزل سورية وشل قدراتها على الممانعة والرفض وإرغامها على توقيع معاهدة سلام مع إسرائيل تنتقص من حقوقها الوطنية في تحرير كامل الجولان. استخدام اسرائيل لمن يرتضي من لبنان بالاستقواء بالخارج ويدعي بأن الوجود السوري احتلال, وبات إخراج سورية من لبنان هدفه الرئيس تحت شعارات كاذبة حول السيادة والحرية والاستقلال. في حين يرى أن ما يتهدد لبنان من دخول للجيش الإسرائيلي إلى أراضيه والجيش الأميركي ليس احتلالا , بل هو صون لحرية وسيادة واستقلال لبنان كما يزعم. إن خروج الجيش السوري من لبنان بنظر الرئيس بوش ورئيس الوزراء الإسرائيلي ارييل شارون يعطل دور سورية في لبنان ويحول دون حماية حزب الله وسلاح المقاومة والأحزاب الوطنية مما يجعل القدرة على إضعاف هؤلاء بل وتمزيقهم أكبر, ويجهل أصحاب هذه النظرة القاصرة حقيقة أن قوة سورية في لبنان مصدرها علاقة التاريخ والجغرافيا والامتدادات الروحية والإنسانية كما أكد الرئيس الأسد. ولتحقيق هذه الأهداف مجتمعة وغيرها عمدت الولايات المتحدة الأميركية بتحريض من إسرائيل وبعض الأطراف الموتورة لإخراج قانون محاسبة سورية, كما بدا الترويج الإعلامي لمشروع قرار من مجلس الأمن يطلب إلى سورية سحب جيشها من لبنان من أجل الأهداف نفسها. وفي نفس الوقت كانت الولايات المتحدة الأميركية تضغط لانتخاب رئيس لبناني جديد مع انتهاء الولاية الدستورية يساعد على تغيير الرياح الداخلية ويؤمن الأجواء الخاصة بالانتفاح على إسرائيل تمهيدا لفك الارتباط والتلازم مع سورية. لكن الحكومة اللبنانية والأكثرية النيابية مددت للرئيس إميل لحود ثلاث سنوات عبر تعديل الدستور, ما دفع بالادارة الأميركية إلى تصعيد ضغوطها على سورية ولبنان, ثم كان القرار /1559/ وهو لاعلاقة له بقرار التمديد لرئيس الجمهورية حسب اعتراف الإدارة الأميركية وبوش نفسه أن هذا القرار كان قيد الاعداد والدرس بناء على طلب من الرئيس الفرنسي جاك شيراك قبل التمديد للرئيس إميل لحود. ومع ارتفاع أصوات المعارضة اللبنانية والتي لم تكن أصواتا ظالمة كلها. فقد عمدت إسرائيل استغلال الوضع ورأت أنه الوقت المناسب لتوتير الوضع اللبناني الداخلي برمته ورميه في إتون الجحيم, وكانت جريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري هي الفتيل الذي أريد فيه تفجير الفتنة لكن وعي الشعب اللبناني للمؤامرة فوت على واضعيها فرصة تحقيقها حتى الآن. لقد كانت جريمة اغتيال الشهيد الحريري هي الحدث الذي زلزل لبنان وسورية, وما كان لحدث آخر أن يحدث ردود الفعل التي أحدثها اغتيال الحريري لأنه من أركان لبنان وهو صاحب خط الاعتدال الذي أبقى على خيط اللقاء متماسكا بين جميع الأطياف اللبنانية وهو رجل العلاقات العربية والدولية أي أنه الشخصية التي لابد أن يتردد صدى اغتياله في كل أو معظم دول العالم. لقد سارع بعض رموز المعارضة إلى الاستنفار ورفع سقف المطالب فبدؤوا بطلب الحماية وسقوط الدولة بكل أركانها وخروج القوات السورية من لبنان وحتى إلغاء اتفاق الطائف وفيما كانت الحكومة والقوى الوطنية تمتص المشاعر الثائرة لدى جميع اللبنانيين والإبقاء على الأمن ممسوكا حتى لاتحقق الجريمة أهدافها بخراب لبنان, كانت إسرائيل وأميركا تحاولان دفع الأمور إلى التدهور بسرعة كبيرة خشية أن يستيقظ الجميع ويتنبهوا إلى خطورة ما آلت إليه الأوضاع. لقد بدأ التماسك يعود إلى الوضع اللبناني وهو الخطوة الأهم في هذا المجال, ومع انسحاب القوات السورية من لبنان بات من المفترض أن تعيد الأطراف تقويم مواقفها والنظر إلى خطورة الانزلاق الذي وصلت إليه البلاد والذي بات يهدد سلمها الأهلي ووحدتها الداخلية, ومن هنا تنبع أهمية كلمة السيدة بهية الحريري في اعتصام يوم الاثنين الرابع عشر من آذار ذكرى مرور شهر على استشهاد الحريري والتي وضعت فيها ورقة عمل مشتركة للموالاة والمعارضة جسدت مواقف رفيق الحريري خطه وأفكاره واستندت على اتفاق الطائف واستمرار العلاقة مع سورية وحماية المقاومة وسلاحها. مع هذه الكلمة تكون السيدة الحريري قد حددت مسار المرحلة المقبلة في لبنان وقد لقيت ترحيبا مباشرا من السيد نبيه بري رئيس مجلس النواب والسيد حسن نصر الله الأمين العام لحزب الله ومن لجنة المتابعة من عين التينة, بقي أن يتم التركيز على ما يصون أمن لبنان ووحدته الوطنية واستقراره ويعزز علاقته الأخوية مع الشقيقة سورية ودرءا لأخطار المؤامرة. |
|