|
دراسات والتي كان جزءاً بسيطاً منها يكفي لإطعام فقراء العالم ويسهم في تعزيز الأمن والسلام..فقد قيل الكثير حول الخسائر الفادحة التي تكلفتها البشرية عبر تاريخها وما زالت وستظل تتكبدها من جراء هذه الحروب الغبية التي لم يتوفر لها يوماً من الأسباب الموضوعية ما يجعلها تساوي ولو جزءاً بسيطاً من ثمنها الباهظ. ولكن الأمر يختلف بعض الشيء عندما تشن هذه الحروب بأحدث ترسانات الأسلحة والمعدات فائقة التكنولوجيا التي تتكلف أموالاً طائلة من ميزانيات الدول الكبرى وعلى رأسها الولايات المتحدة صاحبة أكبر ميزانية عسكرية في التاريخ,وفي ظل مناخ تتبنى فيه هذه القوى الكبرى عولمة تعمم قيم الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان التي يأتي في مقدمتها حقه في حياة آمنة مستقرة تتوفر فيها أبسط المقومات من مسكن لائق وغذاء مناسب ومياه نظيفة..وهي بالطبع المقومات التي يدرك كبار هذا العالم أن المليارات وليس الملايين يفتقدونها,فضلاً عن مئات الملايين في 21 دولة يساعدهم برنامج الغذاء العالمي لأنهم يعانون من قسوة الجوع,ويعتمدون كلياً في توفير الطعام اليومي على المنظمات الإنسانية الناشطة في هذا المجال..تلك المنظمات التي تستجدي على مدار الساعة دون أن تحصل سوى على جزء ضئىل مما تريده وسط مماطلات ومساومات لا تنتهي. وبعيداً عن الوجه المأساوي لهذه الظاهرة المفزعة,فإن البعض ممن يستهويه تجاهل حقائق الواقع المر الذي يعيشه العالم يتفادى تلك الحقيقة الناصعة التي أتى عليها المسؤول الدولي عندما أكد أن (هؤلاء الذين يريدون إيذاء العالم يجدون فرصة مواتية في صفوف هؤلاء الجوعى اليائسين)..وقد لا يكون ذلك جديداً,فقد أكدت الكثير من المراكز الغربية المتقدمة قبل مثيلاتها العربية أن بيئة الفقر والجوع من أهم البيئات المناسبة لتفريغ العناصر التي تمثل وقود الإرهاب مع عدم إغفال الأسباب الأخرى في هذا المجال. وبينما تبع ذلك أيضاً الكثير من الخطوات التي ظهرت على الساحة العالمية لمحاربة الإرهاب الذي أخذ بعداً أثقل كاهل السلطات تحسباً من هجمات إرهابية على مواقع استراتيجية,فإن سمة التشديد على إدخال الإصلاحات برزت بوضوح في أعقاب لغة التهديد وتصاعد حمى الإرهاب العالمي الذي انطلق من بؤر عالمية مختلفة ترتكز على مبادئها في تنفيذ مخططاتها التي طالت أهدافاً أربكت الدول وشعوبها وجعلتها أكثر حذراً في التعامل مع الأفراد في مطاراتها وسفاراتها وغيرها من منشآت وقطاعات حيوية ذات أهمية,فضلاً عن رفع وتيرة الاستعدادات ورصد تحركات الجماعات المتهمة بالإرهاب وتخصيص الأموال الطائلة من ميزانياتها لمكافحة الإرهاب,إضافة إلى التركيز على تدريب عناصر المكافحة والمطاردة على حساب أولويات لا تقل أهمية عن درء مخاطر الهجمات والاعتداءات التي أثرت في مجريات الأحداث والتطور العالمي لتكون واقعاً خطيراً على الخارطة الدولية الحبلى بالصراعات والأزمات التي يمكن حصر أضرارها على فئات معينة. ومن الصعب أن يكون حديث وضغط القوى العالمية باتجاه تنفيذ الإصلاحات وتحقيقها وفقاً لرؤيتها دون أن تعمل جادة بالتعاون مع كافة الأقطاب على مواجهة خطر الفقر والجوع الذي يجتاح الدول النامية ذات الموارد الفقيرة ونسب البطالة العالية,فالعالم هنا سيواجه وضعاً إنسانياً غير طبيعي من حيث ارتفاع نسبة الجوعى ووجود الفوارق الكبيرة بين الطبقات الاجتماعية إذ ستزول الطبقة المتوسطة نهائياً.وتبقى تلك التي تعيش في أبراج عاجية (البرجوازية) صاحبة المال والنفوذ القوي وتلك المسحوقة التي تبحث عن قوتها اليومي لسد رمق أطفالها,فكل ما تريده هو العيش بكرامة. وإذا كانت الإصلاحات ضرورة ملحة لدفع عجلة النمو وتحقيق الاستقرار المعيشي والأمني للشعوب فإنه يتوجب التعامل معها بواقعية دون التدخل بشؤون الآخرين من قبل القوى العظمى بحيث تكون إصلاحات داخلية نابعة من أفكار وطموحات الشعوب التي ترى أولويات بناء مستقبلها واحتياجاتها الفعلية دون تدخل الآخرين باعتبارها أداة ضاغطة ومؤثرة على الساحة المحلية في بلادها وأن أي مفهوم للإصلاحات لا يرتبط بتحقيق العدالة الاجتماعية يكون مبتوراً وغير متوافق مع تطلعات الشعوب,فالعدالة يجب أن تكون سائدة بين جميع الطبقات الاجتماعية وركيزة للإصلاح.فالأصوات ترتفع وتشتد مطالبة بالعدالة وإحقاق الحق وسيادة القانون ومحاربة الفساد وملاحقة المفسدين واستئصالهم من مجتمعاتهم,خصوصاً تلك التي غرقت في مديونيات أصابت اقتصادياتها بعجز كلي أدى إلى فشل خططها الاقتصادية وتوقف حركة النمو. ووسط تجاهل العالم لنداءات الشعوب الفقيرة,فإن دائرة الفقر تتوسع تدريجياً في أرجاء العالم,فيعيش نحو 2,8 مليار نسمة,أي نصف سكان العالم بأقل من دولارين أميركيين وأكثر من مليار منهم يواجهون فقراً مدقعاً,بما فيهم فقراء الدول العربية والإسلامية,فهذه الصورة القاتمة للعالم تجعل من إجراء الإصلاحات أمراً في غاية الصعوبة نتيجة لعدم تدارك أولوية الغذاء واستئصال وباء الفقر فضلاً عن اصطدام ذلك التوجه برفض الشعوب التي تحتاج إلى المزيد من الرعاية والاهتمام. وبينما تتركز بؤر الفقر المدقع حسب السجلات الرسمية للهيئات الدولية المعنية بقضايا التنمية والفقر في حوالي 50 بلداً,فإن العدد مرشح للزيادة في غضون السنوات المقبلة إن لم تكن هنالك مبادرات جادة على المستوى العالمي لتخفيف وطأة الفقر والجوع تعطي هذا الجانب الإنساني الأولوية القصوى في مشاريع التنمية,وليس نوعاً من (التشاؤم) فإن صراعاً عنيفاً سيشهده العالم في وقت قريب فجميع المعطيات والمؤشرات تميل إلى هذا التوقع على ضوء زيادة عدد الأسر الفقيرة وافتقارها إلى أدنى متطلبات المعيشة القوت اليومي فضلاً عن الصراع الأعنف على المياه والذي بدأ يظهر تدريجياً في منتصف الثمانينات حيث شح الموارد المائية وانخفاض المنسوب الجوفي,إضافة إلى الاعتداءات غير المشروعة من قبل بعض الدول على موارد دول الجوار. وحالة الصراع والتسابق العالمي نحو مزيد من المزايا للدول القوية يجعل نداءات الشعوب الفقيرة في مهب الريح ولا يغفل في هذا السياق أن الأوضاع العالمية بكافة أطيافها لا تبعث على الارتياح والاطمئنان شبه المفقود في ظل تعدد اهتمامات المنظومة الدولية وانصرافها نحو أمور بعيدة.ومن يتابع ملامح الخارطة العالمية وتقسيماتها غير المتوازنة يلاحظ حالة الصراع وماراتون التسابق الذي تقوده دول قوية لتعزيز وجودها بقوة وتحقيق ما تطمح إليها من خلال تكتلاتها واتفاقياتها التي تكون وفقاً لمصالحها ورغباتها في السيطرة العسكرية والاقتصادية والسياسية مقابل حالة يصعب وصفها لشعوب فقيرة في مهب الريح تولد لديها عنفوان الكراهية والسخط المبرر على أولئك الذين يتحكمون بمصيرها وجعلها في عيشة صعبة. |
|