|
صفحة أخيرة التي كانت تأتي ليلاً في السر الى قريتي, حدثاً استثنائياً يستدعي إطالة الانتظار من قبل الأهالي الذي كانوا يعانون وقتها من شح الطحين في بيوتهم وما يعنيه ذلك من اقتراب شبح الجوع.. وعندما كانت هذه السيارة تتأخر لسبب من الأسباب كان بعضهم يخرج بما تبقى من قمح الشتاء فوق دابته قاصداً الطاحون, بينما كان بعضهم الآخر يذهب سراً الى فرن في قرية مجاورة لعله يحصل على كيس طحين يسد به رمق أسرته.. وكثيراً ما كان هؤلاء يعودون خائبين من رحلتهم الشاقة بسبب قدوم دورية تموين بشكل مفاجئ الى الفرن.. وتفاني بعضهم في مراقبة صاحب الفرن.. يومها كان حديث التنور يعلو فوق كل حديث آخر, حيث لا تلفزيون ولا أنترنت ولا موبايل فالحياة بسيطة والجميع سعداء!! أما اليوم فقد أصبح التنور معلماً سياحياً, وخبز التنور مجرد ذكرى من الماضي, ولكن لا يزال أهل قريتي يمارسون هواية الانتظار..انتظار سيارة الخبز هذه المرة, وعندما تتأخر يغضبون كثيراً ويعلو صوت السياسة على كل ما عداه من الأصوات. ما أعادني الى هذه الحكاية هو أن جميع أهالي قريتي الكبيرة (سورية) لايزالون بانتظار سيارة الطحين, بعد أن علت أصوات الجعجعة في كل مكان حيث يشارك فيها على حد سواء الذين يعلمون والذين لا يعلمون, الذين يصلحون والذين يفسدون.. وأكثر ما أخشاه أن ينجح هؤلاء في إجهاض ما يسعى إليه أولئك.. فتتأخر سيارة الطحين.. وعندها لن يكون أهل قريتي سعداء..?!! |
|