تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


علــى دقــات قلوبهــم.. ضبـطـت أقلامهـــم!!

ثقافة
الثلاثاء28-7-2009م
لميس علي

(إنني على عتبة جنون ولكنني أعرف قبل أي إنسان آخر أن وجودك معي جنون آخر له طعم اللذة ولكنه -لأنك أنت التي لا يمكن أن تصلح في قالب أريده أنا- جنون تنتهي حافته إلى الموت).

أن تفرد بياض أوراقك لتتشرب جنون هواك آلام عشقك وأسرار قلبك ثم أن تجعل من أوراقك تلك زاوية صحفية، ما يعني أن تجاهر على الملأ وعلى أوراق الصحف بحب لا طاقة لك على كتمانه ولا تحتمل بقاءه حبيس فؤادك..‏

هي إذاً السباحة عكس التيار، المضي في اللامألوف طيش جميل لا يقوى أحد على اقترافه إلا مجانين الأدباء الذين دوختهم نيران عشقهم.‏

(كان ثمة رجل اسمه غسان كنفاني) شاكس يوماً وخربط تقاليد كتمان الهوى بأن فرغ أخص خصوصياته على هيئة زاوية سماها (أوراق خاصة) في جريدة المحرر وفي ملحق جريدة الأنوار في الأعوام (1966-1967-1968) عبر فيها عن أشواقه وحبه الجنوني لغادة السمان.‏

دقات قلب غسان التي خطت تلك الكلمات الأولى ضبطت بتواتر قلمه ليعيد دائماً تأكيد حبه لغادة يقول في رسالة أخرى: «مثلك لا شيء مكانك لا يملأ كلماتك وحدها التي لها صوت يغطس إلى أعماقي مأساتي ومأساتك أنني أحبك بصورة أكبر من أن أخفيها وأعمق من أن تطمريها».‏

كيف تركتك تذهبين؟ كيف لم أجعل من لهاثينا معاً نبض الحياة الحقيقي؟ كيف ذهبت دون أن أحس بك؟ كيف مرت عيناك في عمري دون أن تتركا على وجهي بصماتها؟ كيف لم أتمسك بك؟ كيف تركتك -ياهوائي وخبزي ونهاري الضحوك -تمضين؟»‏

المجنون يتكلم‏

(ألف لام سين ألف، تلك إشارات قلب يرى).‏

على ضفة موازية لضفة جنون غسان وجد عاشق مجنون آخر إنه الشاعر الفرنسي لوي أراغون، الذي جعل اسم محبوبته إلسا، لصيق أهم مؤلفاته (مجنون إلسا، عيون إلسا) معشوقته تتواجد في الكتاب الأول على وجه التحديد كملهم وسبب أساسي لوضع المؤلف يقول: «ما كان ذلك صدفة بل لقاء كان ينبغي أن يجيء اليوم الذي أسمع فيه من المرأة الوحيدة التي أحببت أغنية من أرضها البعيدة والعجيب فيها أنها ممتلئة من غرناطة وهكذا انبثقت غرناطة من أرض أحلامي تحت نور المرأة التي فاحت باسمها».‏

فكان أن ألف (مجنون إلسا) وفيه يصور ذاك المجنون -قيس بن عامر النجدي، مجنون ليلى- تائهاً في غرناطة الأندلس قبل سقوطها بقليل على يد الملكين الإسبانيين فرديناند وإيزابيلا. تتماهى في كثير من الأحيان صورة المجنونين معاً وكما لو أن مجنون إلسا ليس إلا مجنون ليلى على حد اعترافه.‏

يأتي الكتاب مزجاً شعرياً نثرياً فيه قصائد يتوجه بها مباشرة إلى إلسا كما في قصيدة (يدا إلسا):‏

أعطيني يديك من أجل القلق‏

أعطيني يديك اللتين بهما حلمت‏

اللتين حلمت بهما طويلاً في وحدتي‏

أعطيني يديك فيهما سلامتي‏

أعطيني يديك علّ قلبي يتكون فيهما‏

ويصمت العالم فيه ولو إلى لحظة‏

وعلى رأي تلميذ أراغون الشاعر مارسيناك فإن كل من يكتب عنه ملزم بكتابة شيء عن إلسا لأنه يعتبرها ملهمته ومعلمته، إنه ليس شيئاً من دونها وأن كل ما كتبه من قبلها (صفر) هو لم يشع إلا بوجودها.‏

على لسان المجنون الهائم في شوارع غرناطة يقول: «كل نساء حياتي براعم لك».‏

صرح أراغون: إلسا كانت كرامتي أو الوعد بالكرامة حزام أمان عاطفي لكي أعيش في حالة من الدهشة.. دهشته التي سربت إلينا الكثير من الدهشة بدورنا تدفعنا إلى حافة الاستغراب من علاقة عاطفية بين رجل وامرأة تعيد فيها المرأة جبل تكاوين الرجل فلا تبتدئ حياته إلا بوجودها كما أقر أراغون ولا يكاد يتنفس قلمه إلا بأمر من عينيها.‏

استفزاز للكينونة:‏

لم تكن جالا أماناً عاطفياً للشاعر بول إيلوار كما كانت إلسا عند أراغون ومع هذا فقد آمن إيلوار أن الحب ضرورة ولازمة للكينونة، يشكل حالة استفزاز وشهوة للكتابة.‏

نشرت مؤخراً دار غاليمار رسائل متبادلة بين كل من بول إيلوار وجالا زوجته السابقة التي تزوجت بعده من صديقه سلفادور دالي.‏

سيطرت هذه المرأة على معظم كتاب وفناني الحركة السريالية بالإضافة إلى زوجيها كان هناك أندريه بروتون وماكس أرنست.‏

والرسائل التي نشرت كانت قد خبأتها ابنة جالا وإيلوار طوال ثلاثين عاماً ويقال إن إيلوار حاول عبر هذه الرسائل استعادة زوجته إلا أنها بقيت حتى موتها منحازة لجنون ريشة دالي.‏

بعد أن غادرته كتب إيلوار قصيدته الشهيرة (صباح الخير أيها الحزن):‏

وداعاً أيها الحزن‏

مرحباً أيها الحزن‏

أنت مرسوم على خطوط السقف‏

أنت مرسوم في عيني من أحب.‏

وكم من قصة حب فاقت تفاصيلها الصغيرة تفاصيل حيوات بأكملها.. وبقيت معادلاً حقيقياً عذباً ومعذباً بذات الوقت لذويها.‏

بالضرورة تفرض قصص الحب هذه، أنثى استثنائية، خلقت ما هو استثنائي وغير عادي في عقل وقلب وقلم من أحبها ولتبقى أهم إبداعاتهم أسيرة قلوبهم وكيفما تنبض تلك الأفئدة تخبّ أقلامهم مراقصة آلامهم.. آمالهم على أوراق الذاكرة.‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية