|
إضاءات ثابتة تسعى لإبقاء أميركا القوة الاقتصادية والعسكرية الأولى على مستوى العالم إضافة إلى أنها دولة مؤسسات لا يستفرد ساكن البيت الأبيض بملف سياساتها وخياراتها الاستراتيجية فثمة توازن في القوى التي تدير دفة السياسة الأميركية تتوزع بين البيت الأبيض والبنتاغون والكونغرس بمجلسيه والمخابرات المركزية الأميركية والمجمع الصناعي والمالي الأميركي ناهيك عن الفلسفة السياسية الأميركية التي يمثلها المحافظون الجدد (الشتراوسيون) كحكومة عميقة. ومع ذلك كله يبدو الرئيس الأميركي غير آبه في خياراته السياسية بكل تلك الكتل ومراكز القوى الفاعلة التي شكلت خلال أكثر من سبعة عقود ميكانيزم السياسة الأميركية رغم تداول السلطة بين الحزبين الجمهوري والديمقراطي وإذا كان السؤال لماذا يتصرف الرئيس ترامب بهذه الطريقة التي فيها خروج عن المألوف فثمة أسباب عديدة تقف وراء ذلك منها أنها جاء من خارج حلبة السياسة ومن عالم رجال الأعمال الذي يشكل المال لديه الهدف الأساسي الذي يتقدم على الأهداف الأخرى انطلاقاً من القناعة أن أميركا شركة عملاقة وأن قوتها الأساسية ناتجة عن فائض قوتها الاقتصادية وسلاحها الأساسي هو الدولار بوصفه العملة الدولية القابلة للتحويل على مستوى العالم إذا علمنا أن أكبر خمسمئة شركة كبرى في العالم هي شركات أميركية تشكل موجوداتها وأصولها أكثر من ستين بالمئة من الناتج الإجمالي العالمي، إضافة إلى أن الرئيس ترامب نفسه من أكبر المستثمرين في القطاع المالي الأميركي والعالمي ما مكنه من تشكيل شبكة علاقات مالية عالمية بعضها منظور وبعضها الآخر يعمل بسرية ولعله ليس من قبيل الأسرار أن الرئيس ترامب يملك أكثر أسهم شبكة (تويتر) العالمية ما جعله يطلق تصريحاته عبرها ما يحقق لها أرباحاً هائلة تقدر بعشرات المليارات سنوياً الأمر الذي أثار حفيظة المؤسسات الإعلامية الشهيرة عليه وهجومها المستمر على سياساته واتهامه لها بالكذب والتضليل في غير مرة. إن ما يدفع للحديث عن الترامبية هو العناوين التالية: ١- إن الرئيس ترامب عمل منذ وصوله لسدة البيت الأبيض إلى جعل السياسة خادمة للاقتصاد فبدأ بفرض الرسوم على الواردات من الدول الشريكة للولايات المتحدة الأميركية وعلى رأسها جمهورية الصين الشعبية أكبر شريك تجاري لها حيث تشكل صادرات الصين للولايات المتحدة حوالي عشرين بالمئة من مجمل صادراتها ناهيك عن أن الصين تحوز على ما قيمته أكثر من تريليون ونصف مليار من سندات الخزينة الأميركية. ٢- ربط الرئيس ترامب المظلة النووية والعسكرية الأميركية لكل من أوروبا ودول جنوب شرق آسيا بدفع التكلفة المالية وهو ما دفع بحكومات تلك الدول للانصياع لذلك ولا سيما ألمانيا واليابان وكورية الجنوبية إضافة إلى مطالبته لدول الخليج العربي بدفع (خوة) مقابل الحماية العسكرية الأمر الذي وفر للخزانة الأميركية مئات المليارات من الدولارات وتعامل مع كثير من الدول على طريقة بلاك ووتر (الحماية مقابل المال). ٣- كسر القاعدة الأساسية لفكرة العولمة وهي فكرة أميركية فعمل بالحمائية وفرض الضرائب على المستوردات بدل الأسواق المفتوحة ووضع قيوداً على الهجرة علماً أن الفكرة الأميركية تقوم أساساً على مفهوم الهجرة والبحث عن عالم بلا حدود وتمثال الحرية. ٤- إنه أول رئيس أميركي ينفذ كل وعوده الانتخابية فاعترف بالقدس عاصمة للكيان الصهيوني، وضم الجولان العربي السوري بما يخالف كل القرارات الدولية وانسحب من اتفاقية المناخ ضارباً عرض الحائط بالإرادة الدولية، وانسحب من اليونسكو وكذلك من الاتفاقية النووية الموقعة مع إيران والدول الست الأخرى استجابة للرغبات الصهيونية واللوبي اليهودي في الولايات المتحدة الأميركية. ٥- إنه أول رئيس أميركي يزور كورية الديمقراطية ويقابل رئيسها ويعلن عن إمكانية تطبيع العلاقات معها إن تخلت عن برنامجها النووي في سعي واضح منه لمحاصرة الصين الشعبية التي يرى فيها المنافس الاقتصادي الأول للولايات المتحدة الأميركية خلال السنوات العشر القادمة. ٦- يعتبر الرئيس ترامب أول رئيس أميركي يهاجم الصحافة والإعلام وأجهزة المخابرات ووزارة الدفاع البنتاغون في كل مرة لا تستجيب لرغباته وأنه يعتمد في قراراته على المقربين منه لا مستشاريه وعلى الرغم من أنه من مجتمع رجال الأعمال إلا أن قاعدته شعبوية إضافة إلى أنه يمثل تياراً إنجيلياً قوياً يزيد تعداده على ثمانين مليوناً حسب معلومات من الداخل الأميركي يعتقد أنه سيشكل قاعدته الانتخابية في السباق الرئاسي القادم للبيت الأبيض ما يجعل فرص نجاحه لولاية ثانية أمراً محتملاً جداً. إن كل ما تمت الإشارة إليه من عناصر تجعل من الحديث عن الترامبية حالة قد تتحول إلى ظاهرة سياسية إن قيض لها أن تنجح في إيصال ترامب مرة أخرى إلى سدة البيت الأبيض وهذا احتمال متروك للمستقبل. |
|