|
ثقافة رغم أنه يجب أن أعترف أن الفوز أفضل من عدم الفوز، أليست أجمل الفترات في الكتابة حين تتلقى الفكرة تواجهها تصطدم بها كما لو أنها كانت دائماً هناك تحوم في رأسك؟ ولا تزال كخرافة بلا قالب ولا معالم واضحة. ليس في المسألة شيء يشبه الروح إنما لبّ المسألة شيء لا يمكن وصفه بكلمة شيء فقط يمكن أن يأخذ طريقه إلى الحياة كنوع من حياة عامة حين تلفه الكلمات..) الكندية أليس مونرو فرّغت دوماً الأفكار التي تحوم في رأسها على هيئة قصص تميزت بها وجعلتها تفوز مؤخراً بجائزة (مان بوكر العالمية) من بين أربعة عشر كاتباً عالمياً التي تعتبر ملحقاً بجائزة (بوكر) وعلى خلافها لا تعطى عن عمل معين وحيد للكاتب وإنما عن جميع أعماله وتمنح كل عامين. ومونرو هي واحدة من أهم كتاب كندا ولدت عام 1931م، نشرت قصصها في (نيويوركر، باريس ريفيو..) صدر لها أكثر من عشر مجموعات قصصية ترجمت إلى لغات عالمية عديدة وتكتب أيضاً في السيرة الذاتية. حصدت خلال حياتها الإبداعية الكثير من الجوائز (جائزة الحاكم) في كندا ثلاث مرات، جائزة غيلار مرتين، وجوائز عدة أخرى، ورشح اسمها لجائزة نوبل كذلك. قالت عنها عضو لجنة تحكيم الجائزة الكاتبة الأمريكية جين سمايلي حينما رشحت مونرو (تتمتع أليس بمرونة عجيبة بدفء وعمق نثرها وقد استطاعت أن تحقق في ثلاثين صفحة من القصص ما عجز بعض الكتاب عن إنجازه في روايات كاملة). شبهت مونرو من حيث أسلوبها الأدبي بتشيخوف كما شبهت بكل من تولستوي وفلوبير، تنسج إبداعها ضمن نوع القصة القصيرة (الطويلة) التي تقترب مما يعرف بالرواية القصيرة أحياناً. تتفنن في قصصها بطريقة تتحرر من تقليد الاعتماد على حبكة رئيسية واحدة للنص، إذاً تتعدد الأحداث وتتشابك وكما لو أنها تكتب الرواية على الرغم من أنها عجزت عن كتابة الرواية طوال حياتها. في بداياتها حاولت كتابة رواية أرسلت مخطوطها إلى الناشرين لكنهم أعادوها إليها، فعكفت في سن السابعة والثلاثين على كتابة القصة متحررة من عقدة الرواية فنشرت مجموعتها الأولى (رقصات الظلال السعيدة). أعادت محاولة كتابة الرواية في كتاب (حياة الفتيات والنساء) لكن نصها افتقر إلى الحيوية فحولته إلى مجموعة قصص الرابط بينها الشخصية الرئيسية. أغضبت مونرو بكتاباتها أهل مدينة ونغهام حيث عاشت معتبرين ما تفعله سرقة لحيواتهم الشخصية فبدؤوا بمهاجمتها. وإن تكن شخصياتها تسربت إلى مخيلتها من حياة أناس واقعيين أحاطوا بها إلا أنها ترى أن الواقع (ليس ما نعيشه فقط، بل يشمل الفانتازيا التي تحيط بدواخل الفرد والأفكار التي تهيم في لاوعيه). ولهذا حفرت مونرو عبر كتاباتها عن العادي في اللاعادي تحرف مسار الأحداث المتوقع دوماً بفعل جنوني تقوم به إحدى شخصياتها كما في (الهاربة) أو (حب امرأة طيبة) حيث البطلة في كلتا القصتين هي نموذج للمرأة التي تتخلى عن حياة مملة هادئة إلى المضي نحو حلم الإثارة. عن ابتكاراتها في اللامألوف من السرد القصصي تقول مونرو: (ما الذي أنوي القيام به؟ هل أسعى إلى سرد قصة حسب المفهوم التقليدي السائد؟ هل أريد التحدث عما يجري لأحدهم ولكنني أرغب في أن يسرد ذلك الذي يحدث له بنوع من التدخل والاختلاف والغرابة أرغب في أن يشعر القارئ بأن هنالك ما هو مثير للدهشة غير أن ذلك لا يعني (ما يحدث) وإنما الطريقة التي يحدث بها أي شيء). |
|