تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


ندوة احتفالية بمرور ثمانين عاماً على اكتشاف أوغاريت الحضارة والأبجدية.. اكتشــــــــاف عاصمــــــــة أوغـــــــاريت الأمـوريـــــــة

ثقافة
الخميس 16-7-2009م
لينا ريا

بمناسبة مرور ثمانين عاماً على اكتشاف مدينة أوغاريت المشعة حضارة وأبجدية وثقافة والذائعة الصيت، عالمياً، احتفى مهرجان جبلة الثقافي الخامس،

والذي تقيمه جمعية عاديات جبلة في العاشر من تموز وحتى الرابع عشر منه، بإقامة ندوة أثرية عن مملكة أوغاريت ملتقى الحضارات والشعوب، في قاعة المحاضرات بدائرة آثار جبلة، وذلك في الحادي عشر من تموز، وبمشاركة مختصين في الشأن الأثري، حيث قام كل من الدكتور علي القيم، والدكتور بسام جاموس، والدكتور ميشيل المقدسي، بإتحافنا ببعض الإضاءات السريعة عن أهمية حضارة أوغاريت وعلاقاتها مع بعض الممالك، وعرض لأهم المكتشفات الأثرية فيها.‏

أوغاريت أصل الحضارة والآداب‏

عن أوغاريت الحضارة والهوية والانتماء حدثنا الدكتور علي القيم معاون وزير الثقافة قائلاً: أوغاريت مدينة حضارية ومملكة مترامية الأطراف تقع على بعد 11 كم شمال مدينة اللاذقية، وتمتد من جبل الأقرع شمالاً لتنتهي بنهر السن جنوباً، وحدودها الجبال الساحلية والبحر المتوسط، ويتبع لها 200 قرية ومزرعة،ولا أعتقد أنه توجد مدينة في العالم حظيت باهتمام عالمي كبير من حيث الدراسات اللغوية والأثرية كأوغاريت التي بدأت منذ خمسينيات القرن العشرين، فقد كُتب عنها أشياء ودراسات تعد بالآلاف، ولكن و بكل أسف يمكننا القول إننا مازلنا نجهل هذا التاريخ، أو نجهل مكنوناته الحضارية.‏

أردنا من هذه الندوة الاحتفال بمرور ثمانين عاماً على اكتشاف هذا الموقع الأثري، وأن نؤكد أن أوغاريت حاضرة في الأذهان، وفي الفكر والثقافة والتراث العالمي، وحاضرة من خلال أبجديتها وقصورها المكتشفة، والأدوات والرقيمات المسمارية التي تبلغ نحو ثمانية آلاف رقيم، والتي تمت ترجمتها إلى العديد من اللغات، وأيضاً حاضرة في الموروث الثقافي العالمي، فحتى الآن تدرس اللغة الأوغاريتية في أكثر من ثلاثين جامعة.‏

أردنا أن نؤكد أن هذا الموقع نشر الفكر والثقافة والحضارة والفنون على امتداد الألف الثاني قبل الميلاد للعالم، وقدّم الأبجدية التي كانت ثورة المعلومات الأولى، لأنها اختزلت الكتابة من المصورة إلى المسمارية، والتي كانت تتألف بين 600 إلى 800 إشارة كتابية في ثلاثين حرفاً كتابياً، وقدمت الموسيقا، فأول مدونة موسيقية موجودة في العالم تعود إلى1400 ق،م وهي أساس السلم السباعي الدياتوني الذي ينسب إلى فيثاغورث أو إلى اليونان في القرن الخامس بينما المدونة الأوغاريتية فتعود إلى 1400 ق.م ، قدمت فكراً لاينضب من الموروث الثقافي الذي كان الأساس، والذي ورد في العديد من الميثولوجيات والأساطير الموجودة في التوراة وغيرها.‏

وأستطيع القول: إن التعرف على مكنونات مدينة أوغاريت مازال ضمن النزر اليسير الذي يحتاج إلى سنوات كثيرة كي نستطيع الإلمام بمدى الحضارة وعمقها الموجود في هذه المملكة، فعلى الرغم من أن هناك بعثة فرنسية -سورية مشتركة، تقوم بالتنقيب منذ ثلاثينيات القرن الماضي، ومازالت مستمرة، ولكن قد نحتاج إلى عقود عديدة حتى نصل إلى بناء المنصور الكامل لعظمة هذه المدينة، فهناك دائماً دراسات عن أوغاريت، وأيضاً إعادة ترميم لهذه الدراسات والتي بعضها نشر منذ عشرين أو ثلاثين أو خمسين عاماً، فأصبحت بحاجة إلى تحديث بناء على المعطيات والمكتشفات الجديدة، فعلم الآثار لم يقل كلمته الأخيرة فهو يستفيد من عطاءات الآخرين لأنه عمل جماعي متكامل، ونختم بالقول إن مدينة أوغاريت هي بمثابة محج للعديد من شعوب العالم، لأنها أصل الحضارة والفكر والميثولوجيا والآداب، والقيم الأخلاقية والفلسفية والروحية.‏

نشاط دبلوماسي تجاري مع مصر‏

وعن علاقة مصر مع أوغاريت في فترة البرونز الحديث (1600-1200ق.م) تحدث الدكتور (بسام جاموس) ، مدير عام المديرية العامة للآثار والمتاحف بدمشق فقال: أقامت مملكة أوغاريت علاقات كثيرة مع ممالك أخرى كقبرص ومصر وبلاد النهرين والأناضول. وساهمت مجموعة من المزايا التي تمتعت بها بلاد كنعان، منها الموقع الجغرافي الواقع على الطرق الرئيسية التي تربط آسيا مع بلدان أوروبا وشمال إفريقيا، وإقامة التجمعات السكانية، و احتكار الكنعانيين للطرق البحرية والتجارية.. في جعل أوغاريت قاعدة للتجارة البحرية والبرية في سورية الشمالية، وذلك في أوج شهرتها في القرنين الرابع عشر والثالث عشر قبل الميلاد، وورد اسمها في النصوص المسمارية القديمة وفي مقدمتها رسائل تل العمارنة وفي النصوص الحثيثة.‏

بدأت علاقة أوغاريت مع مصر منذ الألف الثالث قبل الميلاد وشملت التبادلات التجارية والدبلوماسية، ولعل قصة (سنوحي) وهو أحد الموظفين الهاربين من مصر إلى سورية يعطي دلالة على وجود استقرار في مملكة أوغاريت آنذاك ومن أهم المكتشفات التي توثق للعلاقة بين مصر وأوغاريت العثور على خاتم ملكي عليه كتابة هيروغليفية حثية، وجزء من آنية حجرية مزينة بزخارف دقيقة تبدو فيها (امرأة مصرية) تمسك قارورة تسكب منها شراباً لرجل عليها كتابة هيروغليفية باسم (نقماد) وهذا دليل على وجود جارية مصرية في منطقة الساحل السوري (أوغاريت)، وجعل عليه اسم الفرعون (أمينوخس الثالث) وزواج الفرعون أمنحوتب الثالث من الملكة (تيي) الأوغاريتية، وكذلك تمثال لأميرة مصرية أهدي إلى معبد رأس شمرا.. وغيرها من المكتشفات.‏

اكتشاف العاصمة الأمورية‏

تحدث الدكتور ميشيل المقدسي، مدير دائرة التنقيب والدراسات الأثرية في المديرية العامة للآثار عن أوغاريت الأمورية والمكتشف الجديد عنها فقال: سأقوم بطرح بعض الأفكار الجديدة فيما يخص أوغاريت الأمورية، والتي لم يصلنا منها إلا معطيات قليلة، قام ملك ماري «زمرلين» وهو آخر ملوكها بزيارة إلى مدينة أوغاريت في عام 1763ق.م وتحدثت عنها مجموعة من الرقم المسمارية المكتشفة في مدينة ماري، والتي أعطت مراحل هذه الزيارة منذ انطلاقه من مدينة ماري وحتى منطقة حلب، ومنطقة مدينة الآلآخ الواقعة في سهل العمق، وهدف هذه الزيارة رؤية القصر الملكي الموجود في أوغاريت، وبالتالي من هنا انطلقت فكرة ماكانت ماهية المدينة الأمورية في أوغاريت طبعاً المعطيات التي بحوزتنا تتحدث بشكل كامل عن المدينة الكنعانية والتي تعود للفترة الزمنية بين 1600 و1200 ق.م، وبالنسبة للمدينة الأمورية والتي تعود إلى الفترة الممتدة من 2000 حتى 1600 ق.م فلا نملك الكثير من المعطيات، وبالتالي قمت بعملية تحليل لما لدينا من معطيات وأثبتت أن هذه المدينة كان لها مسقط مربع الشكل يبلغ طول ضلعه نحو 600 م عند مكان الأسوار، وبالتالي تدخل ضمن تأسيس المدن في تلك الفترة الزمنية، وهي شبيهة بموقع المشيرفة، ورأس ابن هاني وامار، ومواقع أخرى في مناطق سورية الغربية، وهذا شيء أساسي.‏

وأما الشيء الآخر الذي حاولت التحدث عنه هو القصر الملكي حيث نعلم أن القصر كان في المدن الأمورية في المنطقة المرتفعة، ولكن في أوغاريت الحالية والتي تعود إلى الكنعانية فإن القصر الملكي موجود بطرف المدينة، إلا أن الأسبار التي تمت أثبتت عدم وجود قصر في هذه المنطقة، وهذا شيء متناغم وواضح ويصب في أن القصر الملكي كان موجوداً في المنطقة المرتفعة بجانب المعابد.‏

وهكذا بدأنا نتلمس بعض العناصر من المدينة الأمورية، والآن من خلال متابعة الأسبار في العمق يمكن أن تعطينا فكرة عن طبيعة التفصيلات، وعن أماكن وجود المباني الضخمة والأحياء السكنية، وهذا بحد ذاته شيء جديد لأول مرة يُطرح، إذ كنت قد طرحته في العام الماضي بمقالة بسيطة فرنسية، وهذا يقودنا إلى أننا نعيش بعاصمة ثانية أقدم من العاصمة الحالية الكنعانية، وهي العاصمة الأمورية، وبالتالي كانت أوغاريت عاصمة لسورية الساحلية لأكثر من ثمانمئة عام، كما هي الحال في أنطاكية التي كانت عاصمة لسورية لأكثر من ألف سنة من فترة تأسيسها في أيام السلوقيين وحتى الفتوحات العربية الإسلامية، وهكذا نحن نمتلك في ساحلنا عاصمتين كبيرتين، وهذا شيء نفتخر به، فالعاصمة الأولى من عصور البرونز، والثانية من العصور الكلاسيكية.‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية