|
شؤون سياسية فقد شهدت الحقبة السابقة لإدارة الرئيس بوش هجمة شرسة على الإسلام والمسلمين، معلناً جهاراً أن الحرب التي خاضتها الولايات المتحدة ضد أفغانستان والعراق هي حرب صليبية. أما الرئيس الأمريكي الجديد باراك أوباما فقد بدا مسكوناً بهاجس التغيير الداخلي والخارجي حيث بدأ خطوته الأولى نحو بلاد المسلمين عبر زيارته لتركيا بعدما مهد لها بكلمة ودية نحو إيران متمنياً إحداث تغيير بنيوي في إيران كان ذلك بمناسبة عيد النيروز لينتقل بعدها إلى المملكة العربية السعودية قبل أن يخاطب شعوب العالمين العربي والإسلامي من على منبر جامعة القاهرة بتاريخ 4 حزيران الجاري بخطاب شامل دعا فيه إلى مصالحة حقيقية تحسن العلاقات مع شعوب الولايات المتحدة الأمريكية بعدما تشوهت منذ الحادي عشر من أيلول 2001، وسواء كان الخطاب قد أورث خيبة أمريكية لأن الترويج له لم يكن بحجم التعليق عليه، أم أورث ارتياحاً لنية أمريكية مستمرة في حل القضية الفلسطينية على قاعدة حل الدولتين وليس الحل الاقتصادي كما قال نتنياهو، مع الاستمرار في حماية النفط ومنابعه في العراق ودول النفط العربي كما كان منذ عام 1936 وتذكير باراك أوباما إلى العرب لم يكن لهم رد فعل حقيقي تجاه الصراع إلا المبادرة العربية منذ عام 2002 في قمة بيروت العربية لذا فإن خطاب أوباما في القاهرة لن ينتشل العرب والمسلمين مما هم فيه قطعاً، من جهة أخرى نرى أن تركيا بدأت هي الأخرى بالعمل اللافت في المنطقة حيث اعتادت أن تقوم بدور التوفيق بين الغرب والإسلام في اسطنبول وهذا ما جعل منها أن تحتل الدور الجديد المهم الذي تهتم به الولايات المتحدة التي ترغب في الحوار، أولاً لكونها دولة إقليمية عريقة تجيد التعامل مع الغرب الأوروبي بسبب إخفاقها في الانضمام إلى المنظومة الأوروبية، وحفرت خرائطها وخرائط الغرب نحو الشرق الإسلامي بما يتجاوز دورها التاريخي والإقليمي. من هنا كان لرئيس الحكومة التركي رجب طيب أردوغان جولات عدة في المنطقة كان على رأسها دمشق التي تعتبر مركز المقاومة ومبتدأ ونهاية الصراع في المنطقة ولها الدور المهم الذي لا يمكن تجاهله على الإطلاق. لقد جاء هذا الخروج التركي نحو المنطقة العربية الإسلامية محكوماً بتحول العالم الإسلامي إلى ساحة للعدوان الأمريكي على الإرهاب بدءاً من أفغانستان في أعقاب أحداث 11 أيلول، ثم تدمير العراق كدولة مركزية يتقدم في أهميته الاستراتيجية على الاتحاد الأوروبي، وفي ضوء هذه المخاطر كنا نرى تركيا تعمل على تنفيذ فكرة تجميع دول الجوار العراقي في شباط 2003 قبل احتلال العراق، ومد يدها إلى الشعب العراقي لتغيير بنية العلاقة بينهما والمشاركة في الحوارات السياسية المتعثرة كما انخرطت في ما بعد ضمن المناخ الدبلوماسي النشيط الذي قادها نحو الدخول بين باكستان والكيان الصهيوني، كما انخرطت مع السلطة الفلسطينية كما بين رئيس هذه السلطة وحركة حماس وخصوصاً بعد فوز حركة حماس في الانتخابات البرلمانية في عام 2007 وقامت تركيا بجولات أربع من الوساطات بين سورية والكيان الصهيوني في عام 2008 كما توسطت بين باكستان وأفغانستان وبين الأطراف الباكستانية المتنوعة التي لا يمكن توصيف مزالقها، وانفتحت على أرمينيا بطريقة لافتة تجاوزت خلالها صراعاتها التاريخية مع الأرمن، يضاف إلى ذلك أن لتركيا اليوم، الدور المهم في تفعيل منظمة المؤتمر الإسلامي واتخذت كرسي المراقب في جامعة الدول العربية وشاركت مع اسبانيا في تأسيس ملتقى تحالف الحضارات، كما شاركت في الاتحاد من أجل المتوسط الذي دعا إليه الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي في 14 آذار 2009 بالرغم من وقوفها الطويل أمام باب فرنسا لأكثر من أربعة قرون وهي تتهادى خلالها بخطا متوازنة بين الإسلام والحكم المعاصر الحديث. إن خروج تركيا نحو العالم بما يدمج الخيار الإسلامي بالخيار الأوروبي التاريخي يدل دلالة كبيرة على التواصل مع الغرب بقوة العلاقة مع الشرق، وعلى مختلف المستويات بما فيها المستوى الثقافي، إن هذا الخروج لا يضمن بتاتاً معالجة القلق أو الخيار الأمريكي الجديد، كما لايضمن على الإطلاق الحد من حالة الفوضى التي تعمل الولايات المتحدة الأمريكية على التخفيف من تداعياتها أساساً في المنطقة وهو دمج لايحد من انقسام المسلمين وشعوب المنطقة في مآس هائلة عجز العالم في إداراته المتعاقبة عن معالجتها أو وضع حلول أولية لها. إن ماقاله صموئيل هنتنغتون في مجال صراع الحضارات هو لب الصراع الدائر حقيقة في عقول استراتيجيي الولايات المتحدة وإن حوار الحضارات الذي ننشده وهو من طبيعة تفكيرنا العربي الإسلامي الرافض للعنف والإرهاب وهو ليس مسألة متأصلة في الدين الإسلامي وطبائع المسلمين بقدر ما هو متأصل ومتجذر بسبب عدم عدالة الغرب وانحيازه الفاضح التاريخي إلى الكيان الصهيوني. |
|