تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


عـــــوزي آراد والإدارة الأميركيـــــة الغاضبــــة

شؤون سياسية
الخميس 16-7-2009م
د. فايز عز الدين

كشفت بعض المصادر في الآونة الأخيرة أن الرئيس أوباما قد اجتمع مع قادة المنظمات اليهودية حتى يطلب منهم مساعدته في إقناع نتنياهو بالخطة الأميركية حول السلام في منطقة الشرق الأوسط على حد تعبيرهم،

والغريب بهذا الحال هو هذه السياسة المتواصلة للباب الدوار، فمن جهة يبدو الرئيس الأميركي أنه آت إلى الإدارة من ظروف داخلية، وإقليمية ودولية لم تعد تسمح لأميركا أن تبقى على نهجها (البوشي) المكروه، والذي فشل في تنفيذ الجيواستراتيجيا الأميركية عبر دورتي رئاسة للحزب الجمهوري، ومجموعة المحافظين الجدد، ومن جهة أخرى تعكس المرآة الأميركية الصورة ذاتها مع تغيير الوجه أو الوجوه.‏

وجدل السياسة إذا كان ممكناً لكنه من المفترض أن يكون بين مكونات وطنية لها أدوارها، وتريد أن تقدم أطروحاتها من هذه الزاوية أو تلك، أو هذا المنظور وذاك ولكن حين تكون السياسة مقبوضاً عليها من طرف واحد له في التاريخ الحديث للدبلوماسية الأميركية صولة دائمة، وللإدارات الأميركية معه (تغنيج) ليس له أي مبرر، ولعله أي هذا التغنيج مضر أيما ضرر بالمصالح الأميركية العليا، ويظهر أميركا هنا في منطقتنا العربية بمظهر خالي الوفاض من سياسة وطنية أميركية واضحة، محددة، ليتضح الأمر وفق مقولة القائد الخالد حافظ الأسد- أن أميركا لم تكن لها سياستها في بلادنا لكي ننظر فيها، ونتفاهم، أو نتخاصم على أساسها، وكل ما لأميركا أن تفعله هو تعهد السياسات الصهيونية بالتنفيذ.‏

وقد أعاد السيد الرئيس بشار الأسد هذا القول مراراً بصياغات ذكية مختلفة، وحين كان للسيد الرئيس مؤخراً حديث مع أحد الصحفيين أجابه عن إمكانية زيارة الرئيس أوباما إلى سورية أن سورية عبر سياسة الباب المفتوح، والثقة بالحقوق، والثوابت، والإيمان بالسيادة، والندية تتعامل، وتتحاور مع أي طرف دولي وصولاً إلى تحقيق المصالح المتبادلة، والمنافع المشتركة، وحل المشكلات العالقة حلاً عادلاً وشاملاً... ومن المقولات الواضحة للسيد الرئيس بشار الأسد مقولة إننا نريد الوصول إلى سلام عادل وشامل وليس إلى اتفاقيات ثنائية، فالسلام هو الضامن لأمن المنطقة، ومستقبلها، وليس ما شهدناه، ومن اتفاقيات هاهي تتهاوى كلما تغيرت في اسرائيل وزارة باعتبار أن الحكومات في هذا الكيان العنصري لاتحترم مواثيق ولاتلتزم بعهود.‏

وفي العودة إلى جدل السياسة نجد أن الرئيس الأميركي أوباما قد أحاط نفسه وإدارته بحزام من الشخصيات اليهودية ربما حتى يتقي مقولة استبعاد اليهود بعد إدارة بوش الابن، أو ليؤكد مصداقيته في ماكان قد طرحه في برنامجه للانتخابات الأميركية،‏

أو ليقنع اليهود في أرض العرب فلسطين أن أي حل لقضية الصراع العربي - الصهيوني سيرتبه من هم من الجهة ذاتها، وكأن الحل يجب أن يبقى بهويته يهودياً من أميركا، إلى يهود يحتلون فلسطين، وبناء عليه فقد ذهب نتنياهو إلى واشنطن كي يعيد أوباما إلى المربع البوشي، وكأن الإدارة الجديدة ليس من حقها أن يكون لها سياسة جديدة، وتوجهات تغييرية جديدة! وفي الوقت الذي كان فيه الرئيس أوباما في زياراته لمصر، وأوروبا، وروسيا، وغانا، وفي مجمل ما تحدث به أعطى الانطباع أنه مع الحل المتوافق مع قرارات الشرعية الدولية، وأكد على أن الاستيطان أكبر العقبات، نجد أن نتنياهو يعطي الأوامر لأكثر من ست بؤر استيطانية جديدة خلال الأسبوعين ذاتهما اللذين شهدا زيارات الرئيس أوباما وأحاديثه، وهذا رئيس بلدية القدس يقول: «ستبقى القدس عاصمة إسرائيل، ولن تتجزأ، والكلام عن إقامة دولة فلسطينية ما هو إلا مجرد شعار، وعمليات تدمير المنازل في القدس ستستمر».‏

وكل ما في الرد الأميركي على هذا الفلتان الإسرائيلي ينحصر في أن المستوى السياسي في إسرائيل قد وصلته إشارات من واشنطن أن السياسة الإسرائيلية الحالية غدت متعبة للإدارة الأميركية وأن هنالك خلافات لا تحتمل بين الطرفين، وقد ذكرت صحيفة يديعوت أحرونوت أن التحضيرات التي تمت لاجتماع الرئيس أوباما مع قادة المنظمات اليهودية قد فهم منها أن مساعدي الرئيس أوباما مصرون على تحقيق تسوية دائمة للصراع الإسرائيلي الفلسطيني خلال الدورة الحالية للإدارة الأميركية، بحيث يدفع كل طرف الثمن الواجب دفعه لهذه التسوية، وأنهم - أي مساعدو أوباما - يرون أن الحكومة الإسرائيلية تضع عراقيل أمام هذه التسوية، وذلك يهدد العلاقات المميزة القائمة بين واشنطن وإسرائيل، ويظهر إسرائيل أنها تؤدي دوراً سلبياً في التعاطي مع المصالح الأميركية في المنطقة، والمهم في جميع هذه الإشارات هو أن الإدارة الأميركية غاضبة بشكل خاص من كبير مستشاري نتنياهو رئيس مجلس الأمن القومي التابع للحكومة (عوزي آراد) وتعتبره - أي الإدارة الأميركية - صاحب تأثير سلبي على نتنياهو وسياسته.‏

وفي المثل يقال: متى عرف السبب بطل العجب، فالمشكلة في التسوية التي يتحدثون عنها ويحددونها بين الإسرائيليين والفلسطينيين، ويصرون على مصطلح تسوية بما فيه من طغيان وعدم اعتراف بحقوق تاريخية للفلسطينيين وعدم رغبة في أن يكون لهم حق تقرير مصير، فالمشكلة إذاً عوزي آراد الذي يستحق غضب الإدارة الأميركية عليه، وإذا سمح لنا الرئيس أوباما أن نذكره بالاستعدادات التي تكررت للقادة الأميركيين لحل قضية الصراع العربي - ضد الصهيونية منذ الرئيس إيزنهاور وإرساله جيمس ريتشارد مبعوثاً عام 1957، ومشروع كيندي ذي النقاط الست، ومبادئ جونسون الأربعة عام 1968 ونكسون والنقاط الخمس ثم كارتر وكامب ديفيد 1978 ثم ريغان والمبادرة السليمة، ثم بوش الأب ومؤتمر مدريد 1991، ثم كلينتون وكافة محاولاته، ثم بوش الابن وخارطة الطريق، وآنابولس.‏

كل هذه المبادرات والاستعدادات للقادة الأميركيين لأن يحلوا قضية الشرق الأوسط في الدورة الخاصة بهم في الإدارة قد أفشلها من يماثل عوزي آراد!‏

من يحكم من؟ كان هذا السؤال، ولايزال برسم الإجابة الأميركية منذ زمان الرئيس ترومان حتى أوباما، وحين نطالب الأميركيين بالإجابة على هذا السؤال فإننا بالمنطق نشعر كعرب أننا لسنا معنيين بهذه الإجابة، باعتبار أن الجواب سيبقى واحد منهما يحكم الاخر، لكن المشكلة لماذا نسمح والقضية قضيتنا أن ننتظر الإجابة؟‏

والحل هو إذا كانت إسرائيل هي الصانع الحقيقي للقرار الأميركي فهذا يتطلب منا أن نكون الصناع الشجعان لقراراتنا، دون انتظار الإجابة حتى لا يبقى عوزي آراد فيه الخصام، وهو الخصم والحكم.‏

نعم فينا، ومنا، وبنا كل القرارات اللازمة لحل قضيتنا العادلة، هذا هو دوماً موقف السيد الرئيس بشار الأسد الذي ينتظر من أوباما ليس الزيارة بل أن يكون الرئيس لأميركا وسياستها وليس غير ذلك.‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية