|
متابعات سياسية فهي أن هذه الصيغة المتفشية والمتفجرة من العدوان هي إرادة ولربما إرادات خارجية هي التي تصمم الإرهاب، وتضع خرائطه وتوجه حركته، وبالتالي فإن بقية الأطراف سواء في الداخل السوري أم في خارطة الانتشار العالمي إنما هي أدوات تنفيذية مستعارة، والأمر واضح هنا بأن أميركا هي مصدر كل شرور الإرهاب، وهي موئل كل اتجاهات الإرهابيين، وأميركا ولفيفها المقترن إنما تعتمد هذه المنهجية في أن الآخرين هم وقود هذه الحرب العدوانية وبأن أميركا العسكرية تكاد لا تخسر شيئاً من جنودها رغم وجودهم في جزر محدودة في الجغرافيا السورية، ولا يكلفها هذا العمل الإجرامي أي عبء مادي، فهناك من يدفع الفواتير برغبة وحمية، ويغطي ذلك بشعارات براقة، كما هو الحال في أداء آل سعود ودول الخليج، بل إن الإرهاب صار مجموعة آليات استثمار عسكري ومادي، وعبر هذا الإرهاب يتدفق المال العربي والإسلامي على أميركا، ويتم اقتطاع جزء ملوث، ويسير من هذا المال لينفق كرواتب وقوة شرائية للضمائر والبضائع على التنظيمات الإرهابية بكل مفاصلها وتفاصيلها ومسمياتها، وهذه القاعدة تعني أن أمد هذا الصراع لابد أن يتمادى ويستغرق زمناً طويلاً، هو زمن الجراح والتدمير في الوطن السوري، وهو زمن السادية والاستثمار البهيج بالنسبة للسياسة الأميركية والصهيونية، حتى ليمكننا القول: إن أسعد معتد أثيم في التاريخ كله هو الطرف الأميركي والصهيوني لسبب بسيط وعميق يتمثل في أن قوة التغذية البشرية والمالية لهذا الإرهاب مضمونة ومتراكمة بجنون من دون أن يكون هناك كلفة عسكرية أو بشرية أميركية وإسرائيلية، والغريب في الأمر هو مستوى المتعة والانخراط العضوي العربي والإسلامي في تبعات هذا الإرهاب وفي تكاليفه البشرية والمادية، من هنا كان هذا التركيز على إدخال عناوين وكليشيهات وأولويات من شأنها تبرير هذا الإنفاق الإرهابي على الإرهاب، حتى وصل الأمر إلى اعتقاد الأنظمة الساقطة عربياً وإسلامياً بأنها تمتثل لأمر الله في خلقه وتمارس بمنطق الطاقة القصوى دوراً وواجباً دينياً واجتماعياً، وكأن العرب والمسلمين أضاعوا العقل والمصلحة ودخلوا في دهليز الهرطقة السياسية، وهذا ما تنبأ به الرئيس القائد بشار الأسد في مؤتمر القمة العربية في بيروت في عام 2002 حينما قال: (يريدوننا قلباً ينبض وعقلاً لا يعمل) وهنا يفضي بنا الالتزام والتحليل المنهجي إلى التدقيق في القاعدة الثانية، ولربما هي الأخطر لأنها تتصل بالبنية العربية والإسلامية، بدءاً من الثقافة وطريقة التدين الإسلامي وسلم الأولويات، المفتعل والمصنع في سراديب الغرب والصهيونية مقابل أن القاعدة الأولى التي عرضنا لها تتصل بقوى التأسيس الإرهابي، في بنية هذه القوى وفي قواعد التفكير والتنفيذ لديها وفي الانسياب المتواتر نحو ملاحظة التطورات القادمة على وجه السرعة والانتشار، ولنا بالتأكيد أن نمسك بتحليل الطرف المعادي، وأن نستذكر تاريخه وتطبيقات عدوانه على كل شعوب الأرض، وعلى كل حضارات العالم. لكي نعرف عدونا لابد من ذلك، ولابد من تيار الربط والضبط في التحليل بين بنية هذه القوى العدوانية التي لم تتغير، ولم تعتبر، ولم تعدل في نظرتها للعرب والمسلمين، وفي كيفية إفنائهم حتى لو تطلب ذلك إبقاءهم على قيد الحياة، والقاعدتان في الذات المعتدية وفي الذات العربية الإسلامية مترابطتان، كل واحدة فيهما مصدر للآخر ومبرر لاندفاعات الهمجية ومسوغ للتزوير الذي لم ينجُ منه الدين الإسلامي الحنيف ذاته، والنظرة المؤسسة والناظمة للعلاقة بين الوجودين الغربي القاتل والعربي الإسلامي الجاهل، إنما هي مستمدة من اعتبارات بذاتها منها أن العرب ليسوا أكثر من كميات بشرية متناثرة وغرائزية، وليس لها إحساس بالذات أو استفاقة على عواصف الخطر القادم عبر موجات الظلام السوداء، وبأن الجغرافيا العربية هي مجرد حدائق خلفية لمتطلبات الوجود الأمني القومي الغربي والصهيوني، وبأن الإنسان المبعد هنا والأرض المفعمة بالثروة هما معاً من ملكية المشاريع الغربية الصهيونية وعلى الإنسان العربي بكثافته وغرائزه أن يستخدم كعبد، وأن تكون هذه العبودية الوقحة للغرب هي البديل الثقافي والمادي لعبادة الله سبحانه وتعالى، ومن هنا وبناء على هذه النظرة تم تصميم المناهج الموجبة للسيطرة المطلقة على العرب والمسلمين، ولزمن هو مطلق أيضاً مفتوح على اللانهايات، ومرشح لأن يدمن على الموت والجنون فيه العرب والمسلمون معاً، ومادام هذا المنهج يتصل بمعرفة الغرب والصهيونية فإن هناك ثلاث مئة مليون عربي مزركشين ومنمقين لا يجيدون سوى البذخ والاستهلاك والترويج لكل ما تتقيؤه الصناعة الغربية والصهيونية، وما دام هذا الكم من العرب والمسلمين الذين لا يجيدون سوى الاقتتال فيما بينهم والهيجان الغرائزي في هذه النزعة المحمومة، إذا كان الأمر على هنا النحو وفي هذه النظرة، فإن كل التطبيقات التي تعصف بنا ونغذيها كعرب ومسلمين بلا تردد وبطريقة فزعة الشيطان إن هي إلا مناهج كانت مرسومة فصارت حقائق مضمونة، وهنا نكتشف سورية العربية ودورها في كل هذا العدوان. |
|