تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


الأدب كــــما يـــراه كـــولــن ولســن

كتب
الخميس 9-7-2009م
أحمد علي هلال

كثيراً مايعود روائيون لاستغوار التجربة، وربما تعميمها، مقاربة لفن الرواية الجميل والمثير، لكنهم في الأعم الأغلب يذهبون لاستقراء تجربتهم كروائيين وقراء في آن معاً من أمثال ماريو باراغاس يوسا، وانريكي أندرسون امبرت، وغبرييل ماركيز فيلتقطون زوايا خفية،

ويقفون على تلك الظلال المضيئة التي تجذبنا لرواية بعينها.‏

ولعل المحاولات وأن تشي بنزعة تعليمية - درسية، إلا أنها تستبطن دفاعاً ذكياً عن الرواية، ونفياً صريحاً أو موارباً لمقولة موتها أو اندثارها.‏

ترى هل وقف الروائي كولن ولسن صاحب سقوط الحضارة وضياع في سوهو واللامنتمي، على مسافة من مقولة موت الرواية، بخبرته الوجودية وفلسفته، ليصوغ رؤيته في فن الرواية ؟!‏

كان يمكن لكولن ولسن أن يذهب لتدريس منهج عن الكتابة الابداعية عام 1974 باحدى جامعات نيوجرسي (روتجرز) اثر محاولة سابقة في احدى الكليات بولاية فرجينيا، لكنه توصل إلى نتيجة حاسمة أنه لايمكنه تدريس مادة الكتابة الإبداعية لأن المبدأ الأساس للإبداع - برأيه - هو البقاء للأصلح، وبمعنى آخر إن «الكتابة الابداعية عملية شاقة كالصعود إلى أعلى التل، حيث يتساقط الضعفاء، بينما يواصل الأقوياء بتؤدة كي يصبحوا كتاباً جيدين».‏

وهكذا يضع كولن ولسن في كتابه فن الرواية بكثير من التبصّر مقترحاته للفن الروائي محاججاً مقولة موت الرواية، حيث ظلال كثيفة لفلسفته الوجودية، تتواشج في تحليله لعشرات الأعمال الابداعية، لتشكل منهجاً يرفد قراءة واعية وناقدة ومستكشفة تتطيّر من معيارية صارمة، سوى من تلك الأدوات التي تقارب الرواية بأزمنتها وأمكنتها وثيماتها. إذ يبتدئ من صنعة الإبداع، واستحضار شرطها المعرفي، يتحدث عن الحيلة الأساسية للابداع، هي أن يعلم الكاتب، أن يسأل نفسه الأسئلة المناسبة، ومن ثم يقدم له تلميحات تساعده على كيفية ايجاد الجواب، فالابداع ليس سراً مقدساً، هو موهبة حل المشكلات، ومثاله رواية البحث عن الزمن المفقود لبروست.‏

هذا السياق ربما يذكر بما قاله جان بول سارتر في كتابه ماالأدب، بأسئلته المثيرة والصعبة ما الكتابة؟ ولماذا نكتب؟ ولمن نكتب؟ وماموقف الكاتب في العصر الحديث؟ بيد أن ولسن ينتقل بالأسئلة إلى مستويات أخرى دالة ماذا أكتب؟ من أنا؟ ماذا أبغي أن أكون؟ والهدف بالطبع أن يعرف الكاتب اذا يريد. كولن ولسن يستدرج قارئه لحقل دلالة أوسع، ولقضايا تبدو شديدة العمق ومن شأنها أن تثير سجالاً، عندما يرصد السبب الذي حمل النقاد على أن يقولوا: إن الرواية بدأت بالانهيار منذ مطلع القرن العشرين، أي وصول الرواية إلى نهايتها !‏

ولهذ يعود ولسن إلى الرواية التجريبية وممثليها بروست وجويس وبيكيت محللاً أعمالهم، ومبيناً بكثير من الوضوح المنهجي، كيف استغرقت أوروبا في الحلم، وكيف تفكّر، يستخلص أن الرواية هي في الأساس نوع من مرآة الحلم التي يحاول فيها الروائي أن يعكس نفسه الجوهرية، مخالفاً لما قاله شكسبير من أن الفن يحمل مرآة تعكس الطبيعة، ويقترب ولسن في تحليله لنماذج روائية ومسرحية دالّة، ممايريده بالضبط، أي إن الرواية غيرت ضمير العالم المتمدن، فدارون وماركس وفرويد، غيّروا وجه الثقافة الغربية ولكن تأثير الرواية كان أعظم من تأثير الثلاثة مجتمعين! ولفرضيته تلك معطيات استقاها من إعجابه بالرواية الروسية وكتابها العظماء من أمثال دويستوفسكي، وتولستوي، بمعيار الصورة الذاتية، صورة الذات الممتعة والمركبة وكذلك يتفحص أكثر الروايات تأثيراً (آلام فارتر) وتأثير روسو وغوته في فرنسا، إذ يعتبر أن بلزاك أعظم الروائيين، لأنه اهتم بالحياة التي رآها هو بغرابتها وتعقيدها، فأعمال بلزاك تنطوي على محاولته في ابداع صورة للذات ولإقناع العالم أنه كان مبدعاً، وأن المبدعين يشبهون الآلهة.. وكذلك ماالذي يجعل من (مدام بوفاري) رواية رائعة يتساءل ولسن، ويجيب بالرومانسية، يعلّل السبب في دفع الرواية إلى الانهيار، مشكلة الحرية، فمثلاً فاوست عندما يستدعي الشيطان لمساعدته في الحصول على الحرية، ولكن كل مايفعله عندما يحصل عليها هو اغواء فتاة قروية!، فالواقعيون تحولوا إلى مرارة، إذ لافائدة ترجى من رفع المرآة لإظهار الطبيعة، إذا كانت الطبيعة التي تعكسها تعجّ بالفوضى واللامعنى، ففي انكلترا كان انهيار الرواية أقل وضوحاً، فالانكليز مبهورون بسطح الحياة وهم أقل تجريبية وطموحاً من نظرائهم الأوروبيين.‏

ويستمر ولسن في مناقشة اطروحته بالمرور على تاريخ الرواية الروسية فالعصر الذهبي للأدب الروسي (1850) بمغامرة تولستوي وديستويفسكي فهما أعظم الروائيين في الأدب العالمي، مفسّران وليسا وصفيين، محللاً أعمالهما، ومعتبراً أن عدستهما متسعة الزوايا، بينما زولا وفلوبير بين العدستين الضيقة والمتسعة.‏

ينطلق ولسن في فن الرواية من نماذج مارسها روائيون جادّون تجسّد ماقصده الفيلسوف الدانماركي كيركفارد (ماالذي يتعيّن علينا فعله في حياتنا).‏

فالهدف من الرواية هو تقديم وعي متسع الزاوية، والرواية معادل للتجربة - الفكرية - وبمقاييس وعي الحضارة فإن الرواية الحديثة سببت الاحساس بالزيف واللاجدوى، ولم يستطع - كما يقول كولن ولسن قلة من العظام، بمن فيهم ديستويفسكي وتولستوي الايحاء باستيعاب الروح البشرية التي لايمكن تدميرها للحرية، وعليه فإن تحقيق الرغبة يعتبر الأساس الصحيح لكل الابداع ومعظم الروايات الأكثر نجاحاً في القرن العشرين تحتوي على عنصر قوي من عناصر تحقيق الرغبة (ذهب مع الريح، وداعاً للسلاح، ويوليسيس) يوليسيس يعتبرها رواية عظيمة لأن جويس ملك الموهبة صبّ فيها جهداً أكبر من الجهد الذي صبّ فيه فلوبير في نوفاري، ومع يولسيس وصلت الرواية إلى نهايتها، ولايخفي ولسن مفهومه للرواية التجريبية (استخدام تقنيات جديدة، من أنها دفعت إلى الشعور بالاغتراب في مقابل روايات استخدمت التكنيك الفوتوغرافي (وداعاً للسلاح)، وانحيازه لرواية الأفكار، والاتكاء على التجارب الفكرية، وسبره للروايات الواقعية وفنتازيا تحقيق الرغبة، وغيرها من قضايا لافتة.‏

كولن ولسن قال مايعرفه بحثاً عن الطريق الجديد، بكثير من تفاؤل العقل، وقليل من تشاؤم الإرادة.‏

الكتاب: فن الرواية - الكاتب: كولن ولسن - ترجمة: محمد درويش - الناشر: الدار العربية للعلوم ناشرون - بيروت - في 264 صفحة.‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية