تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


تصديــر الغــاز إلــى أوروبـــا.. حـــدود التبـــايـن والتــوافـق

شؤون سياسية
الخميس 9-7-2009م
د. محمد البطل

يتواصل الحراك النشط الذي تشهده بعض البلدان المنتجة لمصادر الطاقة (غاز ونفط)، وعدد من بلدان العبور «الترانزيت» إلى أوروبا، وخاصة بعيد الإعلان عن بدء العمل في مشاريع خطوط «السيل الشمالي والجنوبي»

الروسية لتصدير الغاز الروسي، ومشروع خط «نابوكو» الخاص بنقل الغاز الأذربيجاني أساساً، وبعض الدول المجاورة الأخرى المصدرة للغاز عبر تركيا وإلى أوروبا أيضاً. وإذ يظهر هذا الحراك المتواصل الأهمية الجيوسياسية لتصدير وعبور الغاز فإنها تؤشر أيضاً إلى أهمية العلاقات وخاصة الاقتصادية بين دول التصدير والترانزيت، فضلاً عن أسواق الاستهلاك أيضاً.‏

فقد عمدت روسيا، التي تؤمن نحو 25 بالمئة من حاجة أوروبا من الغاز إلى تنويع شبكات أنابيب نقل الغاز وطرقه وزيادة طاقاتها التصديرية، وتمثلت مؤخراً في بدء العمل بمشروع «السيل الشمالي» الذي ينطلق من مدينة فيبورغ الروسية عبر بحر البلطيق إلى دول شمال القارة الأوروبية، بدءاً من ألمانيا وصولاً إلى اسبانيا. ومن المنتظر أن ينجز الخط الأول من هذا المشروع عام 2010، وأن تبلغ الطاقة التصديرية نحو 30 مليار متر مكعب سنوياً عام 2012 و 55 مليار متر مكعب سنوياً عام 2013 بمشاركة شركات ألمانية وهولندية..الخ. أما مشروع «السيل الجنوبي» الذي ينقل الغاز الروسي إلى أوروبا عبر قاع البحر الأسود (يصل طول القسم البحري نحو 900 كم والعمق الأقصى 2كم) من خلال خطين تصديريين: الأول عبر بلغاريا واليونان إلى إيطاليا، والثاني عبر بلغاريا وصربيا إلى النمسا، فمن شأن ذلك زيادة كميات تصدير الغاز من 31 مليار متر مكعب حالياً إلى 63 مليار متر مكعب عام 2016.‏

وتستند روسيا إلى طاقتها التصديرية الغازية الطبيعية التي تلبي حاجات الأوروبيين لفترة 100 عام (تصريح رئيس الوزراء الروسي فلاديمير بوتين خلال لقائه رؤساء شركات الطاقة الهنغاريين مؤخراً) وخاصة بعد اكتشافات الحقول الجديدة في منطقة يامال الروسية التي تشير إلى أكثر من 11 تريليون متر مكعب من الغاز الطبيعي. إضافة إلى إمكانية استفادة جمهوريات آسيا الوسطى المصدرة للغاز: كازاخستان، أوزبكستان، تركمانيا من هذه الشبكة، ووجود بنى تحتية مشتركة «سوفييتية» في هذا المجال. وأن تكلفة مشروع خط «السيل الجنوبي» لن تتجاوز 10 مليارات دولار، (تصريحات الكسي ميلير رئيس شركة غاز بروم الروسية): «مشكلة اليوم، ولن تنشأ مشكلة في المستقبل بشأن التمويل».‏

هذا في الوقت الذي أعلن فيه مؤخراً، في العاصمة التشيكية براغ عن توافق عدد من الدول الأوروبية على إقامة خط «نابوكو» الذي يؤمن نقل الغاز الأذربيجاني عبر جورجيا وتركيا إلى دول جنوب القارة الأوروبية بلغاريا، رومانيا وصولاً إلى النمسا. وتعمل تركيا على توسيع عدد الدول المشاركة فيه بهدف زيادة الطاقة التصديرية وتأمين ريعية هذا المشروع البالغ طول شبكاته 3300 كم وتكلفة تقدر بـ 13 مليار دولار، وطاقة إنتاجية تصل إلى 31 مليار متر مكعب مع بدء استخدامه عام 2014، من خلال انضمام العراق وإيران وعدد من دول الشرق الأوسط أيضاً.‏

وفي هذا السياق ينظر باهتمام إلى المشاورات الروسية- التركية التي يشهدها البلدان منذ شهر حزيران الماضي تحضيراً لزيارة رئيس الوزراء الروسي بوتين إلى تركيا قريباً. فقد أعلن وزيرا خارجية البلدين الروسي سيرجي لافروف والتركي أحمد أوغلو بعيد لقائهما مطلع شهر تموز الجاري أن جانباً مهماً من محادثات وزيري طاقة البلدين (الروسي إيغور ستيشين والتركي تاتر يلديز) قد خصص للتحضير لزيارة بوتين. إذ تطرح روسيا على تركيا الانضمام إلى مشروع «السيل الجنوبي» وتوسيعه ليشمل تركيا عبر أنبوب «السيل الأزرق» وتبدي تركيا استعدادها لتلبية الاقتراح الروسي. هذا في الوقت الذي يؤكد فيه الوزير التركي أن بلاده لا تجد المشروعين «نابوكو» و «السيل الجنوبي» متنافرين، بل ترى أن كلاً منهما يكمل الآخر.‏

وفي هذا المجال تعمل تركيا على تطوير علاقاتها مع الدول المصدرة للغاز (جمهوريات آسيا الوسطى، دول الشرق الأوسط) والوصول إلى تفاهمات مشتركة وخاصة مع روسيا بوصفها المصدر الرئيسي للغاز إلى أوروبا حول ضرورات التنويع في مصادر الطاقة إنتاجاً وتصديراً وعبوراً، وتشير إلى طبيعة العلاقات الاقتصادية المتشابكة والمصالح المشتركة لدول التصدير والعبور في آن معاً. كما ترفض التعاطي مع مشروع خط «نابوكو» بوصفه خطاً موازياً أو منافساً لخطوط السيل الجنوبي الروسية.‏

يقول مثل روسي شائع: (أن تصل متأخراً خير من ألا تصل أبداً)، وهذا ما تحاول روسيا تطبيقه في علاقاتها مع إفريقيا وغيرها batal-m@scs-net.org‏

باحث ">أيضاً.‏

batal-m@scs-net.org‏

باحث في الشؤون الدولية‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية