|
الاندبندنت لم أصدق آنذاك تلك الادعاءات، يومها اعتقدت أن الولايات المتحدة الأميركية أطاحت بنظام صدام حسين وغزت العراق للتأكيد على قدراتها العسكرية بعد أحداث الحادي عشر من أيلول، وعلى أنه تستطيع تحقيق انتصارات سريعة ليس إلا، لكن الآن فقط وبعد مرور ست سنوات على هذا الغزو انتقلت معركة التحكم بإنتاج النفط العراقي إلى قلب الحراك السياسي الراهن في بغداد. ففي أواخر حزيران وقعت حكومة بغداد عدة عقود مع شركات نفط دولية تتيح لتلك الأخيرة فرصة القيام بدور مركزي على صعيد استخراج وإنتاج النفط الخام من ستة حقول نفط عراقية ضخمة ،وتزامن هذا التوقيع مع انسحاب آخر فرقة أميركية من المدن العراقية وما إن تبسط بغداد سلطتها الطبيعية على أراضيها حتى تقيم معايير جديدة للتحكم بحقول نفطها، ويرتبط مستقبل العراق بها بشكل مصيري. وتتعرض تلك العقود لانتقادات شديدة داخل العراق اليوم نتيجة بيع بغداد النفط لشركات بترول عملاقة كانت قد فقدت الأمل في العودة إلى بلاد الرافدين، فمنذ تأميم النفط العراقي عام 1972 أصبحت كل من إيران والعراق المنطقتين الوحيدتين في العالم اللتين يمكن أن تكتشف فيهما كميات هائلة من الحقول الخام، وتصب الانتقادات المتعلقة بتلك العقود في حقل صناعة النفط العراقي، إذ إنها أي عقود الخدمة تلك ستكبل الاقتصاد العراقي وتعوق استقلاله خلال العشرين عاماً القادمة حسبما أفاد فايد النعمة رئيس شركة بترول الجنوب، وتمتلكها الدولة وتنتج تلك الشركة الوطنية 80٪ من النفط العراقي الخام، ما يعني أن هذه العقود ستعمل على بعثرة وتشتيت احتياطي النفط العراقي خلال المرحلة المقبلة، وكانت حكومة بغداد تعتقد أن أسعار النفط ستتوقف عند (140) دولاراً للبرميل الواحد ما دفعها لرفع رواتب موظفيها واستئجار المزيد من هؤلاء العاملين في الدولة حتى وصل عددهم إلى مليوني عامل وهو ضعف العدد الذي كان يعمل في ظل النظام العراقي السابق وهناك 600 ألف موظف يعمل في سلك القوات المسلحة والأجهزة الأمنية والشرطة فقط. وجاء انهيار أسعار النفط بشكل غير متوقع لتبلغ عائداته ومخصصاته في رفع الرواتب والأجور ونظام الحصص، وهذا مادفع بغداد لتجميد نظام استئجارها للمستخدمين الجدد مع أنها لم تقدم على تقليص عدد موظفي الدولة فتوفر فرص عمل جديدة لهؤلاء يعتبر من أحد الأسباب التي تسهم في تدني مستويات العنف في أرجاء البلاد وسيؤدي هذا التقليص كذلك إلى اهتزاز صورة الحكومة خلال الانتخابات البرلمانية القادمة وستجري أواخر العام الجاري في شهر كانون الأول وستحدد نتائجها هوية من سيمسك بزمام السلطة في العراق خلال الأعوام القادمة. وتولي الحكومة العراقية الحالية اهتماماً متزايداً بقطاع النفط لأنه ينتج 95٪ من احتياطي الدولة لذلك تتأثر العراق بأي انخفاض يطرأ على أسعار النفط ما ينعكس سلباً على تقليص انتاجها لتلك الطاقة، وهناك (1400) بئر نفط جنوب العراق لاتعمل بكامل طاقتها وهي منطقة تغطي 80٪ من إنتاج النفط العراقي وتمتلك العراق ثالث أكبر احتياطي نفطي في العالم ويصل حجمه إلى 115 بليون برميل ويضخ النفط الخام من حقول عملاقة تتوضع في مناطق كركوك وباي حسان في الشمال والزبير والرملة وميسان وقرنة في الجنوب وقد انخفض إنتاج تلك الأخيرة بشكل واضح مؤخراً ، فخلال الأعوام الأخيرة من حكم النظام العراقي السابق ورغم العقوبات الاقتصادية التي فرضتها عليه الأمم المتحدة إلا أن الإنتاج النفطي العراقي اقترب من 2.6 مليون برميل يومياً مقارنة بـ 2.4 مليون برميل يومياً ينتج حالياً ويبتعد الرقمان المذكوران عما كانت تنتجه العراق خلال السبعينيات من القرن الماضي. فحاجة حكومة بغداد لزيادة إنتاجها من النفط اليوم نظراً لافتقارها لرؤوس أموال تكفي استثماراتها الحالية دفعها للاستعانة بشركات نفط دولية أجنبية، ويعلق وزير النفط العراقي «حسين شهرستاني» حول هذا الموضوع قائلاً: يحتاج العراق لمبلغ وقدره 50 بليون دولار ليتمكن من الاستثمار في حقول نفطه ونحن نفتقر لتلك المبالغ وبموجب عقود الخدمة التي وقعتها بغداد خلال شهر حزيران لن تشارك تلك الشركات الحكومة في استخراج النفط العراقي وإنما ستحصل على أجر لقاء تعليق انخفاض إنتاجها وبالتالي زيادة الكميات المستخرجة منه. لقد عانت العراق وعلى امتداد ثلاثين عاماً من الحروب والعقوبات الاقتصادية والاحتلال، لذلك تحتاج البلاد لمزيد من الوقت ليستعيد اقتصادها عافيته وقد بدأت الأوضاع الأمنية في بغداد تشهد تحسناً مؤخراً مقارنة بالعام الماضي رغم تباطؤ عدد اللاجئين العراقيين العائدين إلى وطنهم الأم ويبلغ عددهم مليوني مواطن، كذلك أخذت تتحسن أوضاع الكهرباء في العراق رغم أنها لم تصل إلى المستوى المطلوب كما أصبحت إمدادات النفط أفضل عما كانت عليه. ويختتم الكاتب مقاله بالقول :إن الولايات المتحدة لم تقم بغزو العراق لإحكام السيطرة على احتياطي هذا البلد من النفط فقط وإنما ليتسنى لها إعادة شركاتها النفطية إليه وبشروط خاصة. |
|