تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


الاقتصاد تُشخص خطورة الاحتكار على معيشة الناس.. وتتجاهل دورها في المكافحة!

دمشق
اقتصاديات
الأثنين 11-6-2012
علي محمود جديد

من المُستهجن جداً -على ما نفهم– أن يُقدِم رب أسرة باستعراضِ مشكلته مع ابنه في المنزل أمام رئيس البلدية (مثلاً) لأن مجال عمل البلدية يختلف عن مثل هذه الاهتمامات من ناحية،

ومن ناحية أخرى فإن مجرد هذا الطرح كفيل بإساءة السمعة لذلك الأب الذي عليه أن يحل مشاكل بيته في بيته، وأن يكون قادراً على اتخاذ القرار الأسلم تجاه ابنه.‏

هذا المثال يشبه إلى حد كبير قيام وزارة الاقتصاد والتجارة بتحميل ظاهرة الاحتكار مسؤولية جسيمة عن ضعف القدرة الشرائية لذوي الدخل المتوسط من السكان معتبرة أن احتكار القلة من التجار والمستوردين للسلع والمواد الأساسية والحياتية ساهم في تدني القدرة الشرائية المحدودة أصلاً نتيجة قيام (الناس)بدفع مبالغ أكبر لتلبية متطلبات السلع الأساسية الضرورية كالخضار والفواكه على حساب السلع والمواد الأخرى البديلة.‏

وتستطرد الوزارة في هذه (التوضيحات) من خلال الدراسة التي تقدمت بها للحكومة متضمنة آراء ومقترحات لتحسين الوضع المعيشي للمواطنين، لتشير إلى أن مرونة السلع والبدائل هنا لا تكون كبيرة لأن هذه المواد الأساسية ضرورية للمستهلك، الأمر الذي يؤكد أن ضعف القدرة الشرائية ليس نتيجة ارتفاع الأسعار فقط، ما أدى إلى تدني القيمة الاسمية للرواتب والأجور بشكل عام، وانعكاس هذا على ذوي الدخل المحدود والطبقة الوسطى، يسبب في انخفاض نصيب الفرد في الناتج المحلي الإجمالي.‏

هذا التوصيف صحيح وهو في أغلبه دقيق – لولا عبارة ذوي الدخل المتوسط – ولكن أين هو الدور الذي كان على وزارة الاقتصاد والتجارة أن تقوم به لمنع هذه الاحتكارات وملاحقة الذين يقترفونها.. ؟! ثم وعلى الرغم من الانتشار الكبير لحالات الاحتكار في هذه الأيام – وهاهي الوزارة المعنية تعترف بذلك وبصوتها الملآن – لم نر ولم نسمع حسّاً ولا خبراً لهيئة المنافسة ومكافحة الاحتكار، إذ يبدو أنها في زمن الاحتكار تلتفتُ للمنافسة، وتنصرف لمتابعة الاحتكارات المشكوك في توصيفها في زمن المنافسة..!!‏

إن كانت الوزارة المعنية بمكافحة الاحتكار تشكو للحكومة من شدة النشاط الاحتكاري.. فمن سيكافحه إذن.. ؟! هل تقوم رئاسة مجلس الوزراء بإطلاق من يكافح الاحتكار من عندها..؟!‏

كان من الأجدى لوزارة الاقتصاد أن تقدم للحكومة استعراضاً لجهودها التي لا تهدأ في إطار مكافحة الاحتكار، وإجراءاتها حيال ذلك، غير أنها اكتفت بالتوصيف الذي بدا – في الواقع – شيّقاً حيث أشارت إلى سلبيات القطاع الخاص من خلال (تحكم بعض التجار بحركة السوق والأسعار واستيراد مواد ذات مواصفات فنية سيئة ومخالفة للشروط ومغالاة بعض كبار التجار والمستوردين أو الحاصلين على امتياز تصنيع للماركات العالمية في تحديد أسعار منتجاتهم الضرورية واحتكارها، كالرز والسكر، مع حرصهم الشديد على عدم البيع بخسارة، ورفع هوامش أرباحهم، كما أن التحكم بالأسعار والاحتكار ووضع مقومات لمنافسة عادلة واقتصادية في السوق لا يقتصر فقط على الشركات والتجار والمنتجين، بل يشمل التواطؤات التي تشهدها أجهزة الجمارك والعبور والمنافذ الحدودية مع مزودي الخدمات والتجار والمستوردين للمواد والسلع وهذا ما يجعل الاحتكار والتواطؤ وحتى اقتسام الأسواق ظاهرة واضحة، وتتكون هناك حلقة مفرغة من التجار المحتكرين وعناصر الجمارك والمنافذ الحدودية تسعى للربح غير المشروع وطلب الرشاوى والفساد... الخ كلها تكاليف يدفعها المستهلك في آخر الحلقة المفرغة.‏

على الرغم من أهمية هذا التوصيف فهو غير كافٍ لأنه صادر عن وزارة الاقتصاد والتجارة تحديداً التي كان عليها أن تتبعه بإظهار ما هو منفذ على الأرض بقوة، ولكن تبدو وكأنها أجهدت نفسها كثيراً.. ولكن كي تُشخص فقط.. حتى أنها لم تقترب في مقترحاتها من الحديث عن آلية ما لتفعيل مكافحة الاحتكار الجامدة.‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية