تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


ربيع الشائعات

معاً على الطريق
الإثنين 11-6-2012
أنيسة عبود

لم أعرف مرحلة زمنية ازدهرت فيها الشائعات كما ازدهرت في سورية هذه الأيام حتى أضحت خبزنا اليومي.

صحيح أن الأزمة التي تمر بها البلاد تؤجج الأخيلة وتنمي الحكاية، خصوصاً أن الواقع فاق الخيال، مع ذلك يجب على السوريين التأمل والبحث في مصداقية هذه الشائعات التي غزت العقول والأفكار فصارت الحقيقة رهن تفسيرات وتأويلات لا تنتهي.. وصار كل مواطن يحلل وينظر ويؤكد أن ما سمعه هو الحقيقة.. ومن أجل أن تكتسب روايته الانتشار والمصداقية لا بد من ذكر أسماء الأشخاص الذين اخبروه أو الذين كانوا شهوداً على الحدث.. وهكذا تحولنا من شهود العيان للقنوات الكاذبة الأفاقة، إلى شهود الشائعات.‏

ومن الملفت أيضاً تشتت الحقيقة لدى السوريين، وكثرة الحقائق.. وكأن انشطاراً أصابها وأعطى لكل فرد حصة منها.. وهذا أمر عادل في زمن غياب العدالة والمساواة.. ولكن المشكلة هي أن كل واحد من السوريين يملك الحقيقة ولا يقبل أن تجادله بغير حقيقته التي وصلت إليه وحده وعبر طريق سري.. كما بات كل سوري يعرف سر الأزمة من وجهة نظره وبالتالي وجهة نظره هي الحقيقة التي يجب الأخذ بها واعتمادها كحل للمعضلة.‏

وإذا ما قلت أن الأزمة خارجية ومدبرة ومدروسة قبل أن يخلع الحريري قميصه وتسري الحمية في رأسه الفارغ تيمناً بحمية أوباما وأزلامه بسنوات.. وإن القصة وما فيها عبارة عن مؤامرة لهدم الدولة وكيان الدولة واستنزاف خيرات البلد وموارده البشرية والفكرية والاقتصادية.. جاء من يرد عليك فوراً بأنك من أعداء الحرية والديمقراطية.. أو أنك من أتباع النظام وأن الفساد هو المشكلة وأن.. وأن.. ومن كثرة الأنات والأنين تجد نفسك تئن على بلدك ونفسك، حيث صار الانتماء لنظام ممانع ومقاوم للهيمنة الغربية وداعم للقضية الفلسطينية ومساند للأشقاء في العراق ولبنان وكل القضايا العربية صار تهمة ومسبّة، وصار الذي ينتمي للغرب ويطالب هذا الغرب بالانقضاض على سورية وشعب سورية واستعمارها وتقسيمها وإعادتها إلى العصور الجاهلية هو أبو الحرية والديمقراطية.‏

فتباً لهذه الحرية والديمقراطية التي تحض السوري على قتل أخيه السوري وتدفعه إلى هدم وطنه وإحراق مؤسساته وتخريب بنيته التحتية وفتح أبوابه للغرباء والمرتزقة.‏

وتباً لربيع أعادنا إلى الظلمة بعد نور.. وأرجعنا إلى أثافي الزمن المدقع الموحش. فما هذه الحرية التي جوعت شعبها وقتلت اقتصادها وفجرت أطفالها.. واستعانت بالمارقين والمتخلفين والعملاء لتنفيذ مآربها.. وما هذا الربيع الخبيث الذي أجدب نفوسنا وبيوتنا وزرع الخوف في هويتنا؟‏

وما هؤلاء العربان الذين ينكرون المعروف وينسون الجميل، فيصدق فيهم القول (اتق شر من أحسنت إليه).‏

ألم نحسن - نحن السوريين- الجوار؟‏

ألم نغث الملهوف من أبناء العروبة؟ أما فتحنا قلوبنا وبيوتنا لإخوتنا في العراق؟ وها هم اليوم يكافئنا بعضهم بتفجير دمشق التي‏

آوتهم - وأطعمتهم بعد جوع؟‏

ألم نحسن احترام الإخوة الفلسطينيين في سورية؟ ألم نتشارك معهم النضال والمقاومة والشهادة والتطلع إلى تحرير القدس الحبيبة؟‏

هل توجد قرية أو مدينة أو حارة في سورية لم تقدم الشهداء من أجل فلسطين؟‏

قد ينسى أعراب النفط الأقصى والقدس ولا يحملون لفلسطين أي مشاعر، ولكن نحن في سورية لا ننسى لأننا قدمنا الشهداء والدماء واحتضنا الفلسطينيين على اختلافهم وخلافهم ولم نشعر بهم إلا كإخوة لنا.. والآن يكافئنا البعض منهم بنكران الجميل والإساءة إلى سورية لكن سورية تغفر دائماً فهل يغفر التاريخ؟ وهل ستغفر الأجيال القادمة وخاصة من ذبح والده بسيف الحرية المزعومة؟‏

لا، لن ننسى ربيعهم العربي الدموي المتطرف.. لن ننسى كيف يجتمعون في بيت الماسونية العربي الصهيوني ليحرمونا من هويتنا وقيمنا واستقلالنا.. لن ننسى ذلك العجوز الخرف الذي يقود جامعة المارقين على كل القيم الإنسانية والأخلاقية.. سنسجل لهم إيقافهم البث التلفزيوني وتجويعهم للشعب وقتلهم للأطفال.. سنسجل.. نعم.. ولن ننسى، وسنذكرهم بما قدموه وهم يذوقون لعنة دمائنا ولعنة شعوبهم ولعنة تاريخهم.. وإن غداً لناظره قريب..‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية