تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


لاأمل بالامبراطورية!!

فايننشال تايمز- بقلم: جدعون راتشمان
ترجمة
الاربعاء 5/12/2007
ترجمة: رندة القاسم

حقاً لقد كان الأمر سريعاً, عام 2003 أضحت فكرة الامبراطورية موضة في واشنطن, ولكن هذا استمر أكثر بقليل من ثلاث سنوات فالنسور الامبراطورية توضع ثانياً في الخزانة. والتحدي الذي يواجه الولايات المتحدة الآن هو تفادي الانحدار مباشرة من الامبريالية إلى الانعزالية.

وصحيح أن الرئيس جورج بوش يؤكد دائماً أن الولايات المتحدة لاتملك مطامح امبريالية, ولكن كما هو الأمر دائماً, يملك نائب الرئيس أجندته الخاصة. ففي عام ,2003 تماماً بعد غزو العراق, كتب على بطاقة عيد ميلاد أرسلها, ديك تشيني, إلى أصدقائه: ( وإذا لم يكن الطير يستطيع الهبوط على الأرض دون أمر الرب, فهل من الممكن أن تنهض امبراطورية دون عونه? ).‏

الكثير من المحافظين الأميركيين كانوا أقل خجلاً بشكل ملحوظ فكتب ( ماكس بوت ) من مجلس العلاقات الأجنبية مقالة ذات عنوان صريح: ( مسألة الامبراطورية الأميركية ). وقال(تشارلز كراوثامير ) الصحفي الهام : ( إن أميركا هي القوة المسيطرة في العالم والأكثر سيطرة من أية قوة منذ عهد روما. أميركا في موقع لخلق حقائق جديدة ), ونصح السيد (كراوثامير ) بأن ذلك يتم بالسيطرة غير التبريرية والعنيدة للإرادة .‏

وفي كتابين مؤثرين دعا ( نيول فيرغوسن ), وهو مؤرخ بريطاني وصحفي في الفايننشال تايمز, إلى إصلاح سمعة الامبراطورية البريطانية وافتراض بأن الامبريالية الأميركية الحرة تكون مفهومة بلغة المصلحة الأميركية والغيرية.‏

وفكرة الامبراطورية لاتزال تجذب أميركا. ولكن الكتب الأميركية الأخيرة حول الامبراطورية تبدو بوضوح أقل تفاؤلاً من تلك التي ظهرت قبل سنوات مضت.‏

كتاب ( كولين مورفي ) هل نحن روما? ( والذي كان على قائمة الكتب الأكثر مبيعاً ) يرى بأن الولايات المتحدة تواجه خطر محاكاة انحدار روما والسقوط بسبب الاستسلام للنموذج الروماني من الفساد والغطرسة, فأميركا بحاجة إلى إعادة اكتشاف قيمها المدنية.‏

» آمي تشوا ) نشرت حديثاً يوم الامبراطورية والذي يحمل تحذيراً, إذ يرى الكتاب بأن » القوى المفرطة ) ( العبارة التي تشير بها إلى الامبراطورية ) كانت دائماً متسامحة ومنفتحة, وتعتقد السيدة تشوا أن الخطر الأكبر أمام القوة الأميركية يكمن فيما لو انحدرت إلى التعصب ورهاب الأجانب بسحق المهاجرين واعتناق الروح الحربية.‏

» أميركا يمكنها أن تبقى قوة العالم المفرطة لعقود قادمة ) ولكن فقط إذا اختارت بناء قوتها على الفرصة والدينامية والقوة الأخلاقية.‏

ويبدو وكأن من الإلزام أن ينهي الجميع كتبهم عن الدور الأميركي في العالم بملاحظة من التفاؤل العاطفي.‏

» كولين مورفي ) أعلن أن الطريق لتفادي الانحدار على الطريقة الرومانية واضح وهو أن الترياق يكمن في كونك أميركياً ومع ذلك تغير المناخ بشكل واضح. فانتصار الإرادة الذي تنبأ به السيد » كراوثامير ) لم يتجسد في العراق أو أفغانستان, لقد فقد المفكرون الأميركيون الإيمان في إغراء الامبراطورية وإمكان حدوثها. والسؤال هو: ما التالي?‏

المحافظون الذين اعتنقوا كلمة » امبراطورية ) قبل سنوات عدة كانوا مستفزين وبشكل متعمد. وإذا كانت أميركا في شيء يشبه المزاح الامبراطوري في عام ,2003 فهذا ببساطة كان يعني أن الولايات المتحدة كانت عازمة على استخدام تفوقها الاقتصادي والعسكري لتغيير العالم. وإذا اقتضى ذلك الغزو الاحتلال, إعادة تشكيل دول بأسرها فليكن.‏

أربع سنوات والامبراطورية تبدو أكثر قسوة وأقل جاذبية, فالجنرالات الأميركيون عبروا عن قلقهم علناً من أن آليتهم العسكرية الهائلة قد تتحطم في العراق. العجز المالي يزداد والدولار ينهار.‏

وهذا التشاؤم الحديث لن يؤدي على الأرجح إلى الاندفاع لمغادرة العراق. ولكنه يعني أن الولايات المتحدة ستكون كارهة جداً للقيام بمغامرات امبراطورية أخرى حول العالم.‏

بالتأكيد مرت أميركا خلال نفس الفترة من الانطواء الذاتي بعد حرب فيتنام. وهذا لم يستمر طويلاً, والفرق بأنه في الفترة مابعد فيتنام كان المنافس المحتمل الوحيد لدور القوة الامبراطورية العالمية ( وهو الاتحاد السوفييتي ) في المراحل الأخيرة من الانحدار.‏

هذه المرة هناك قوة جديدة صاعدة ويبدو أنها أكثر ديناميكية عما كان عليه الاتحاد السوفييتي.‏

فمع مواجهة أميركا لخطر التراجع لاتزال الصين تنمو بمعدل عشرة بالمئة سنوياً وأربع من الشركات العشر الكبرى في العالم هي صينية, ولكن من غير المحتمل أن يتجاوز الاقتصاد الصيني ذاك الأميركي قبل جيل أو أكثر.‏

وتواجه الصين أيضاً مجموعة من المشكلات المحلية, ويظهر قادة الدولة إمارات قليلة تدل على تطوير سياسة خارجية عالمية.‏

والامبراطوريات الأخرى المحتملة أقل إقناعاً, فالهند لاتزال قوة إقليمية. والاتحاد الأوروبي يفتقد للقوة العسكرية ويناضل للحديث بصوت واحد.‏

البعض يقلق من أن عالماً دون قوة امبراطورية مسيطرة سيكون أكثر خطراً. فمن سيضمن النظام? من سيبقي ممرات سفن الشحن مفتوحة وسيضع القوانين للنظام المالي العالمي?وفكرة أن هذه الأمور كلها يمكن أن تقرر بشكل سلمي في الأمم المتحدة لاتبدو منطقية.‏

ولكن هناك سبب وحيد للتفاؤل. فالبرغم من حالة العراق, من المناسب للقوة الصاعدة ومن الناحية التكتيكية القبول بالقيادة الأميركية لبعض من الوقت القادم. وهذا لأن القوى الصاعدة الجديدة تملك حصة مباشرة في عمل النظام الدولي الحالي.‏

الامبراطوريات السابقة حصلت على القوة والثروة باحتلال أراضي الآخرين. ولكن الصين والهند بل وحتى روسيا المنبعثة تنافس أميركا بشراء طريقها إلى العظمة, إن نخبها الحاكمة تغتني مباشرة من العولمة. ويعلمون أيضاً أنه وبالرغم من العراق لاتزال أميركا تملك أكبر اقتصاد وأقوى جيش في العالم, ربما ابتعدت الولايات المتحدة عن فكرة التصرف وكأنها روما الجديدة. ولكن » الهمجيين ) لايزالون بعيدين عن واشنطن.‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية