تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


كتف حنون وعالم مجنون !

آراء
الاربعاء 5/12/2007
ماجدة زنبقة

في قصيدة لروبيرت فروست .. يقول فيها :

( كنت كلما أردت أن أبكي ...‏

أنتظر السماء حتى تمطر لكي لايراني الناس .. أبكي ...‏

إلى أن وجدت أخيراً كتفاً حنوناً .. أبكي عليه‏

وعندها .. فقط علمت أن الحياة .. تستحق أن تعاش ) !‏

كلما تذكرت كلماته تلك ... و تأملت.. ملياً في ذلك الدفء ... ...‏

دفء الارتباط بين قلبين ...‏

حب ... وأمان ... وكتف حنون... وعائلة سعيدة ...‏

أدركت .. كم يحتاج كل منا إلى هذا الدفء ..والذي يتوق إليه كل إنسان ..‏

خاصة في هذه الأيام ...‏

حيث كل شيء من حولنا حزين .. وكئيب ...ومظلم ..‏

وحيث أثر الحروب والنزاعات ... يثقل على الأسرة العربية ...‏

وحيث إن أخبار الموت والدمار .. تخيم على الأجواء ...السياسية والاقتصادية والإجتماعية والنفسية ...‏

وحيث أخبار الظلم لأطفال أبرياء ..‏

ولشباب يقتلون وهم في عمر الزهور ...‏

تثقل آذاننا مع كل صباح...‏

وتقض مضجعنا .. مع كل مساء ..‏

ولكن ...‏

وفي مثل هذه الأجواء المقيتة التي يعيشها الإنسان ... وفي ظل ظروف نفسية .. واقتصادية صعبة ..‏

كان على البيت ( منطقياً ) أن يكون المكان الوحيد .. الذي يشعر فيه الإنسان بالسعادة والراحة ..‏

كان على البيت وفي هذا الوقت بالذات أن يكون ملاذاً .. وحصناُ يشعر فيه كل فرد بالراحة والدفء... والأمان‏

وأن يشعر بالعطف .. والحنان .. الذي يفتقده .. والذي يريحه من عناء نهار طويل.‏

ولكن في هذا الوقت بالذات ..‏

نجد أن صورة العائلة ... أصبحت صورة مأساوية هي الأخرى حقيقة ..‏

يدهشني ويؤلمني في آن واحد ..‏

حين أسمع عن قصة حب... جمعت بين قلبين ... تنتهي هكذا .. وبمنتهى البساطة ..‏

وحين أرى حباً كبيراً جمع زوجين في رباط واحد .. يتبخر هكذا وكأنه يوماً .. لم يكن !‏

يدهشني ويؤلمني جداًً .. حين أسمع أن زواجاً .. قد انتهى ...وتبخرت الأحلام ...!‏

نعم يحزنني ويدهشني ... كيف يمكن لشخصين أحسا يوماً بمشاعر جميلة .. وبعواطف جياشة ..‏

حين كانا يلتقيان ... أن ينقلبا فجأة إلى .. عدوّين ...!‏

كيف لم يستطيعا المحافظة على هذا الدفء الذي يسعى ويتوق إليه الملايين ?‏

كيف لم يتعبا .. ولم يبذلا الجهود.. ويستميتا ... للدفاع عن هذا الحب ??‏

وأتساءل ..‏

هل هو استهتار ...بأثمن ما يملك الإنسان ... وهو القلب .. ?‏

أم هو انسحاب ... وجبن ضعيف أمام أول جدار .. وأمام أول أزمة.. وأول ريح ?‏

أم أن الأمر كله لا يستحق التضحية.. ولا يستحق التنازل عن الأنا والذات ?‏

أهو اختيار خاطىء في الأساس ?‏

أم هو جهل ... بمعاني الارتباط .. والزواج .. وأهدافه ... ومسؤولياته?وكذلك ... بركاته ...‏

مهما كان الجواب ... إلا أن الأمر كله ( غريب )... مع أنه يبدو أمراً عادياً ... وشائعًا... ومألوفاًً .‏

ولكن يبقى ... بعيداً عن المنطق..‏

فأنا أستغرب حقيقة .. كيف يمضي الإنسان عشرات السنين في بداية حياته ... وهو يقوم بدراسة كتب الهندسة أو الطب....أو أي كتاب اختصاص ...يختاره ..‏

ليبني أساسات عمله المستقبلي والمنشود ... بينما لا يفكر بقراءة كتاب واحد ... يعلمه بشكل راق ومدروس أسس الزواج الناجح ...واختيار الشريك ... أو طرق فهم الشريك ...‏

أو لا يقرأ كتبا متخصصة في تربية الأولاد... و غيرها... من التي يحتاج إليها في مسيرة حياته العائلية ?‏

ويدهشني حقيقة ... كيف يتعب الزوجان ... ويبذلان الجهد والمال في تأسيس البيت ويحرصان على أن يكون كل شيء وقطعة من الأثاث متناسقاً مع الآخر ..‏

فيدرسان بعناية لون المفروشات ...ليكون منسجما مع لون الستائر .. والسجاجيد ..‏

بينما لا يحرصان على استخدام كلماتهم ..... وعباراتهم اليومية ... وبما ينسجم مع طبيعة الحب الذي يحملانه في قلبيهما ...ومع طبيعة المودة المفروض وجودها بين زوجين !‏

وترى أن الزوجين في بداية حياتهما ...يحرصان كل الحرص ... على أن يكون لكل قطعة‏

من الأثاث .. مكانها المدروس بعناية ...‏

فهذا مكان التلفزيون .. وهناك مكان الكومبيوتر ... وهنا مكان البراد‏

ولكن لا يدرسان بشكل مسبق مكانة كل منهما ودوره في حياة الآخر ...‏

ولا يحرصان أن يكون للحب .. مكان‏

وللاحترام ..مكان وللأهل.. مكان‏

وللعمل ... مكان‏

تختلط الأمور ... وتتداخل الأدوار .... ويدخل القلب أمور وأمور ...‏

وتدخل قاموس الزوجين عبارات ومفردات جديدة ... يعتادا عليها بديلا من عبارات الحب ....‏

وتتحول القلوب ...‏

وتبرد المشاعر ...‏

ويتساءل الزوجان ... عن السبب ?‏

ولا يدركان أنها .. أسباب وأسباب ..!.‏

ويبدأ .. اللوم ... و العتاب‏

ويبدأ ... تراشق الاتهامات ..‏

ويتحول البيت الى قطعة من جحيم ...!‏

هي صورة ...للزواج مظلمة ...‏

يحاول الإعلام للأسف تكريسها ..‏

إما كوميدياً... وإما تراجيدياً‏

ويبقى سر البيت السعيد ...( لغزًا ) ...‏

يعتبره الكثيرون ... عصياً على الحل....‏

متناسين......‏

عن جهل .. أو عن قصد‏

أن كل ما نستهتر به ...‏

سنخسره ...لابد ..!‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية