تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


ايزابيل هوسيه: الأساطير أول أشكال المتخيل (الروائي)

شؤون ثقا فية
الاربعاء 5/12/2007
هناء الدويري

نهاية الأدب الروائي كان عنواناً عريضا لمحاضرة ألقتها المؤلفة الروائية والمترجمة إيزابيل هوسيه في المركز الثقافي الفرنسي وايزابيل المقيمة في دمشق منذ عام اقترحت تسمية مصطلح الرواية بالمتخيل لأنها أكثر تعبيراً ومجالها أوسع وارحب وتمتلك ما لا يقل عن ثمانية وعشرين مرادفاً,

وتترجم على انها خداع للأصل,كما ان المتخيل صغير في ليل العالم الكبير, ثم عرضت للمسار الذي قطعه المتخيل الى اليوم فبعد ان كان له فضاء غير محدد تقلص وصموده الذي نشهده يتأتى من كونه يقتصر على الانسان, والاساطير كانت أول شكل من أشكال المتخيل تلاها المسرح الذي احتاج الى فضاء مادي, ومن ثم السينما التي زادت من فضاء المتخيل الألماني, وكل السياقات اللغوية التي يوضع فيها المتخيل ليست بريئة ففي اللغة الروسية اخترعوا له مصطلحاً فسره الغربيون بشكل أحمق وعلى انه (كذبة), ولكن ما من شخص يخدع ولكن هناك طريقة ذهنية لبناء الصورة.‏

واللغة الفرنسية أطلقت كلمة (ضياع) لمصطلح المتخيل وهي الصورة الذهنية, وهذا ينطبق على اللغة الانكليزية ايضا وفي العربية نجد تفسيره ( صورة تشبه هذا ).‏

وفي نهاية القرن السابع عشر أخذت معنى قصة مخترعه ثم اخذت اسم رواية.‏

وسواء أكان المتخيل كذباً او حقيقة فإن الادعاء مشهور بشكل أكبر بين الفصائل الانسانية, واستطاع الانسان الفصل بين الوهم واستخدامه الجدي وما يلعب دوراً اساسياً هنا هو ما يسمى الاقتصاد الذهني للفكر ووسيلة لكي يفهم الانسان ان هناك واقعاً متخيلاً, فالمتخيل بشكل ما هو صورة عن الواقع, له وظيفة تعويضية للهروب من واقع ما, ووظيفة معرفية, بمعنى انه في بعض المواقف لا يسمح لنا بالوصول الى الواقع ولكنه يقودنا اليه وهذا ينطبق على المتخيل الرياضي الذي له علاقة بالارقام المعقدة وبدخل ضمن اطار عملي.‏

وأوروبا استخدمت المتخيل في الهوية الوطنية حيث استندت الى اساطير اخترعتها القيادات السياسية وصور كثيرة في المتاحف تدل على ذلك .‏

عبر مسيرة تطور المتخيل نشأ الكثير من الجدل والنقاشات والتي اثارت الكثير من العواطف والتي بدورها أثارت مشكلات حول الحقيقة و الكذب تماماً كما الصراع بين الخير والشر.‏

والمتخيل ليس مسألة أخلاقية فقط بل منطقية أيضاً وهذا ما يفسر كيف يمكن للطفل ان يتعلم عبر الدخول في المتخيل حيث نبث له القيم والاخلاق والعلم عبر ما نقدمه له من متخيل.‏

كذلك المتخيل أثار الجدل والنقاش بين الفلاسفة فأفلاطون كان ضد المتخيل والحقيقة وحدها الواقع والمتخيل عند غيره شيء لا يمكن الامساك به ويسميه اللسانيون نتيجة أداء لغة.‏

والشعراء يجدون المتخيل شيئا لا يستطيعون اثباته ولا يمكن ان يكذبوه .‏

وباسكال يقول: إن المخيلة مخادعة لأنها القاعدة الاساسية للحقيقة لو لم تكن قاعدة حقيقية للكذب.‏

وهنا نسأل : هل يمكن ان نقول ان الحقائق المتخيلة هي حقيقية...?! وهذا يقودنا الى البحث في حدود المتخيل التي هي صعبة جداً حيث نجد الكثير من الاشياء قصصاً غرائبية وعجائبية.‏

القصة الذاتية مثلاً, نجد المتخيل الذاتي الذي انتشر في الأدب الفرنسي كثيراً ويفسر ما سبق بشكل جيد, يعمد الروائيون لقول سأروي لكم قصة انا بطلها لكنها لم تحصل معي ابداً..‏

النظرية الادبية حاولت ان تجد معايير وظيفية ولكنها وصلت الى متاهات كبيرة.‏

هنك مشكلة حول سلطة وقدرة المتخيل لأن لديه سلطة قوية ومزدوجة,قدرة على اخفاء الواقع ونفي العالم وللمتخيل وظيفة لاعقلانية وكذلك يدخل ضمن اطار المفارقات حيث يمكن ان يكون حقاً وباطلاً, يدخل عمق المنطق ليس بسبب نتائج أساسية , كما انه يمثل خطراً على المنطق والواقع والنظام السياسي.‏

العقل لا يمكنه تجاوز المخيلة, فكتاب الرواية كانوا رغم انهم يقعون أسرى ضياع عقلهم يستخدمونه وإحدى شخصيات بلزاك الكوميديا الانسانية مثال ذلك .‏

وفي عصر النهضة كانت الثقافة الاوروبية قد بدأت تعيد النظر في فكرها واصبحت اللغة مقدسة, والسؤال الذي يطرح نفسه : هل كانت الروايات هي المسار الثقافي العلام ا لذي زال عنه السحر, أو لأنه لم يكن هناك افضل منها.‏

حركة عقلنة العالم الذي اطلقها عصر النهضة بدأت تفرض قوانينها وبدأ يوجد حيز للتخيل دون ان يؤثر على الواقع مع ان الدين كان يعارض ذلك وهكذا بدأ المتخيل يتحرر من محاكاة القدماء ومن الفانتازيا التي طالب بها المحدثون.‏

ونتج عن كل تلك الاشكاليات:‏

تحديد وتنظيم لفضاء المتخيل وتم قوننة الرواية وحجومها, في القرن السابع عشر كانت تصل الرواية الى 16590 صفحة ثم بدأت تنتشر الروايات الصغيرة.‏

دخول قاعدة مشابهة الواقع يحدد فيها مبدأ الخارق ويفسح المجال للحظات العقلاني حول الواقع ويحل الجمال محل الوهم وتؤطر الرواية بتحديد مجالها.‏

وكانت الروايات تتهم بأنها تذهب بعقل الفتيات وبالتالي اصبحت مشروطة بأن تكون جيدة وتحترم القوانين وتروج لفكرة المواطنة وتعطي دروسا اخلاقية ولم تفلت من الرقابة السياسية.‏

وفي فرنسا تحديداً في القرن السابع عشر بدأت تظهر رقابة الدولة والسبب كان عمل الكنيسة وبروز الدور المركزي لملوك فرنسا.‏

هنا كان قد تم تأطير المتخيل ووضع قوانين له بقي التخلص مما يثير الاذى وهذا ما فعلته القرون اللاحقة.‏

(دون كيشوت) شكلت منعطفاً روائياً, ثم جاءت (مدام بوفاري) وعندها رفع شعار يجب ان نحذر من المتخيل.‏

نعرض لبعض الامثلة التي أدت الى الحد من المتخيل:‏

1- المتخيل كان بديلاً عن الفعل السياسي, فالشعوب التي لا تجد لها دوراً سياسياً تعمد الى الرواية.‏

2-أحد الروائيين الألمان سئل لماذا لا يكتب تراجيديا فقال ( التراجيديا في الشارع لاحاجة لتدوينها)‏

3-المتخيل كان من علائم العالم القديم, واصبح باهتاً في عالم الصناعة.‏

4-روايات المحطات التي يقرؤها الناس في القطارات رغم بساطتها وعدم قيمتها المادية اصبحت باهتة مع ظهور السينما.‏

5-فشل الاخلاق قاد المتخيل نحو الهاوية‏

6-الافلاس في القرن العشرين فبعد الحرب العالمية الاولى أصبح العديد من الكتاب غير قادر على متابعة رواياتهم مادياً.‏

7-اختراع الروائيين لروايات تؤدي لكسب المال, عندها بدأ ( الجمهور يرفض الروايات والمتخيل ويطالب بالواقع ) وهكذا بدأت تظهر روايات تتحدث عن الواقع وروايات وثائقية وبدأت تظهر مشكلات الآخرين ليصبح الكاتب متلصصاً على حياة الناس.‏

المتخيل قد يموت ولا يمكن انتاجه ثانية.‏

8-العوائق السياسية فالديمقراطية التي كان يجب ان تعتمد على العقل لجأت الى الاساطير..! وتطور ما نسميه »سياسياً صحيح يتجاوز الخطاب سواد أكاد جدياً, قديماً او حديثاً يمكن ان يخرب الحدود بين المتخيل والواقع .‏

وليس هناك عودة مظفرة لعالم المتخيل, وانما ستكون العودة شيئا فشيئا من الجحيم.‏

9-التداخل بين الاجناس الادبية سيضيع المتخيل..‏

10-ثقافة الجموع هي فتحت الباب أمام المتخيل ووساوس القدرة علي ان نبلغ القصص, كل شيء يتقلص ليصبح قصصاً .‏

11-المتخيل بعد ان خضع للعقل خضع للعلم, وما الذي يمكن ان نفعله امام العالم الافتراضي الذي اخترعه الكومبيوتر.‏

12-إن لدينا حاجة كبيرة لنعيد النظر في المتخيل, خاصة وان الجريمة الكبرى للقرن العشرين والتي افرزتها امريكا » الواقعية التي تضع الفرد امام خطر العولمة) وارادت فرضه على المجتمعات فوجدت مبرراً لها في الحرب على العراق وغيرها من دول العالم مبررة جرائمها).‏

العولمة التقت بالمتخيل وصدمته .‏

ولا بد من العودة الى الفكر النقدي واعادة الاعتبار للعقل , فلا تخيل دون العقل.‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية