|
معاً على الطريق إذ كيف لمن حاول استعمال كل الخيارات الأخرى وفشلت ثم آل إلى الحوار صاغراً أو معانداً أن يدعي أنه محاور وراغب أساسي في الحوار ؟ وإذا كان للحوار الوطني في سورية أن ينطلق بعد كل ما جرى، وأن يكون عامّاً، واسع الطيف شعبياً ومؤسساتياً، فإنه من غير الممكن له أن يستمر بطيفه الواسع إلى ما شاء الله، ولا بد له في نهاية الأمر من أن يحدد الأطر الوطنية الكبرى، التي يتوافق السوريون على توطينها أو تكريسها في هيئة مقولات كبرى يتضمنها الدستور القائم أو المحدث بعد الحوار، كأن يتم التوافق مثلاً على أن تكون سورية دولة مدنية ديمقراطية تعددية، وسيكون مفهوماً بعدها أن ثمة أطراً سياسية ومؤسساتية وتشريعية تضمن ذلك الطابع للدولة النموذج، والأهم من ذلك أنها تحدد الحوار وتحصره في دائرة النخب السياسية المتعددة وغير المختلفة. وبطبيعة الحال، فإن الحراك السياسي الوطني الذي ينبغي له أن ينشأ في مرحلة ما بعد الحوار, لن يظل حراكاً شعبياً عاماً، بل ينبغي أن ينتقل إلى ساحة التأطير وفق خارطة من التيارات والأحزاب بما فيها من سبق إشهاره قبل الحوار، وبما يضمن امتلاك وإعلان كل حزب أو تيار عن منظومة أيديولوجية ما تحصر اجتهاداته الفكرية وتحددها، فضلاً عن برنامج سياسي محدد ومفصل يعنى بتحقيق تلك الاجتهادات؟ على هذا النحو، ينتقل الحوار من موقع الخيار الأخير إلى موقع الخيار الأول والبديهي بين إرادات حرة، سواء كانت عامة أو منظمة ونخبوية، وينتقل المحاور أيّاً كان من موقع المتلقي إلى موقع الصانع للفعل.. ويظل في هذا الموقع ما دامت نتائج الحوار الوطني الشامل باقية ومتوافقاً عليها بين الأغلبية على الأقل. فإذا كان المحاور في هذه المرحلة الأولى هو المواطن وهو المتوافق مع غيره من المواطنين على المقولات الوطنية الكبرى، فإنه سيغدو في المرحلة الثانية.. مرحلة الحراك المؤطر سياسياً، سيغدو صانعاً للفعل، من خلال برنامجه السياسي من داخل الحزب أو التيار الذي ينتمي إليه نخبوياً، وسيظل في موقعه الفاعل في المرحلة الثالثة حين يتحول إلى ناخب يلقي الورقة في صندوق الانتخابات. الحوار ليس مضافة وضيافة، ولا هو سفسطة ذهنية أو سياسية غير لازمة أو فائضة، بل هو العقد الاجتماعي الجديد الذي سيصنع العبارات الكبرى ومفاهيمها ودلالاتها، ومن كان بغير إرادة حرة تماماً وبغير خيارات تتبع خيار الحوار ولا تتقدمه فليبق حيث هو.. ورقة في مهب الريح؟ |
|