تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


قوّة الحب الغامضة

الملحق الثقافي
5-3-2013م
د. ثائر زين الدين

هل من أحد يؤمن اليوم بالحب والمحبّة وأنهار الدم تتدفق من حولنا وتغطي ملامحنا وقلوبنا وأرواحنا؟ لا شك أن هناك قلّة من الناس ما زالت تؤمن بذلك،

وبعضهم يراهن أن الحب وحده هو القادر على إنقاذ العالم، ويبدو أن مثل هؤلاء يزدادون تمسكاً بإيمانهم هذا بقدر ما يزداد الآخرون يأساً وقنوطاً. ومع أنني أوشكت أنتمي إلى الفريق الثاني، إلا أن بحثاً ترجمته منذ أيام لبيتريم سوروكين، وهو فيلسوف وعالم اجتماع هاجر ذات يوم من الاتحاد السوفييتي، لفتني بشدة وجعلني أطرح بين أيديكم بعض ثماره.‏

يرى الرجل أن قوة الحب غير القائم على المنافعِ الشخصيّة الضيّقة، وقوّةَ الصداقةِ الحقيقيّةِ الخفيّةَ، هما أكثر العوامل النبيلة المؤثرة، التي يتوقّف عليها سلوك الناس، وهما أشدُ قوّةً من العوامل القائمة على المنافِعِ والمصالح المسيطرة في العلاقات التقليديّة المتبادلة بين البشر. ويظهرُ هذا التباين واضحاً، بشكلٍ خاص، أثناء المقارنة بين الصداقة الحقيقيّة والقوّة الفظّة كأسلوبي إدارةٍ مختلفين.‏

لقد أدّت طاقةُ الحبِ المتبادل الموحِّدة في التطوّر البيولوجي للأنواع الدورَ الهام نفسه الذي أدّتهُ في اتجاه آخر الطاقة النفعيّة المفرّقة في الصراع من أجل الوجود.‏

إن قوة الحب كما تبيّن مُعطيات البيولوجيا، وعلم النفس، وعلم الاجتماع وغيرها من العلوم المُعاصرة، هي عنصر مكوّن أساس في عمليّة الولادة والتطوّر وحياة الكائنات كلها وكذلك في عملية استمرار الحياة، وتكاثر الأنواع، والحفاظ على الصحّة ووحدة المجتمع. وقد بينت الدراساتُ الأخيرة أن الحب الخلاق والصداقة الحقيقيّة يمكنُهُما أن يحققا أشياء كثيرة:‏

أ-يوقفا النزاعات بين الشخصيات المفردة في المجموعات البشريّة.‏

ب-يحوّلا العلاقات العدائية المتبادلة إلى علاقات صداقة.‏

ج-بإمكان الحب أن يوّلد الحب، في حين يولد الكره الكره والعداوة.‏

د-إن قوة الحب هي العنصر الباعث للحياة والضروري لصحة الناس المعنويّة والجسديّة.‏

هـ-يعيش محبو عمل الخير زمناً أطول مما يعيشُهُ الأنانيّون.‏

و-إن الأطفالَ المحرومين من الحب أكثر عُرضةً للنمو كأفراد منحرفين اجتماعياً وأخلاقياً.‏

ز-إن الحب – هو مضادٌ حيّوي شديد الفعالية ضد الميول الإجرامية والشاذة المختلفة وضد الخوف والحقد والاختلالات العقليّة.‏

ح-إن الحب ينفذ وظائف جماليّة وفنيّة مهمة جداً.‏

ط-الحبُ هو القوة الأكثر نبلاً وقدرةً في مجال رفع المستوى الأخلاقي والتنويري للبشريّة.‏

ي-الحبُّ – قلب الحريّة وروحها، بل قلب وروحُ القيم الإنسانيّة الأخلاقيّة الرئيسة كلّها.‏

ك-من الضروري وجود الحد الأدنى من الحبّ، على الأقل لاستمرار حياة أي مجتمع، ولاستمرار التقدّم الإبداعي والاجتماعي المنسجم.‏

ل-بمقدور الحبِّ أن يقضي على النزاعات الدوليّة.‏

ورأى الرجل أن من الضروري في زمنه الصعب ذاك «وهل زمننا أفضل حالاً؟» إعداد أكبر كميّة من طاقة الحب وشحنها ونشرها؛ وهي الضروريّة لمحبة الخير للناس والمجموعات والمؤسسات والثقافة. إنّ كل ذلك ضروري جداً لمنع نشوب حروب جديدة، ولإضعافِ المنافسات الضارة المتناميّة بين الناس.‏

ويضيف سوروكين إن قوّة الحب غير المبني على المصالح سواء كانت شديدة الفظاظة أو الاتزان هي التي تحيي الأشكال الأسريّة الطيبة لتصرف الناس وسلوكهم وعلاقاتهم المتبادلة في المؤسسات المختلفة ومنها الاقتصادية والاجتماعية والسياسية وتساندها وتبعثها حيةً. وعندما تُصبح هذهِ القوّة واحدة من ثلاثةِ قوى عظيمة في حياة الناس «قوة الحقيقة، قوة الجمال، قوة الطيبة والخير أو الحب الإبداعي- غير المنفعي» فإنّها تحسّن مستوى الناس جميعاً؛ أسراً ومجتمعاتٍ ودولاً، وتهديهم إلى الأفعال العظيمة، وتمنحهم القوة والمقدرة الإبداعيّة الضروريّة لتطبيق طموحاتهم النبيلة تلك. فهل تؤمنون بطاقة الحب الخلاّقة هذه؟ أم أن العنف سيتغوّل عندنا وفي العالم ويدفع البشريّة إلى الدمار الذاتي؟!‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية