|
كتب الراوي- بحالاته كافة- يدوّر عجينة الرواية وهو يملك في المروي كل الصلاحيات ليمارس فعل الملكية الذي يتجلى بالحيازة, التصرف, الاستعمال, الإهمال وحتى إعدام الملكية وهذه الملكية تنبت في إمكانية متداخلة ومتشابكة مع معطيات المجتمع كسيرورة تاريخية وصيرورة آنية ومع معطيات الفرد من الناحية الجندرية والعمرية والوظيفية والعقائدية والأيديولوجية وإلى غير ذلك. أربع نسوان ورجل مثقف هو عنوان الرواية ومن خلال ثيمة العنوان نقف عند مضامين عديدة سواء بالإحالة لتعدد الزوجات أو دلالة كلمة « نسوان» لوحدها التي تأخذ معنىً سلبياً ويحمل بطيه نبرة سخرية و بالجانب الآخر للجملة نجد تهكمية تقع على جملة « رجل مثقف» ومن خلال ما سبق نلحظ إدانة للطرفين تبعدنا عن تأثيرات كتابة جندرية قد نظنها للوهلة الأولى. الصحفية والدبلوماسية والقارئة والزوجة, هن حرملك الرجل المثقف صاحب المناصب والمال والشهادات العلمية, يتناوبن على قصّ قصصهن معه وفق متتالية تجترحها القارئة بعد أن يسقط قناعه عبر مصادفة تقودها إلى ملفات الكومبيوتر المحمول خاصته وإيميلاته وما شابه, فتكتشف الدليل الحاسم على خداعه وخيانته بعد أن لاحت علائم عديدة كانت تترتب في كل لقاء معه, فتقرر أن تجتمع بمحظيتيه الصحفية والدبلوماسية في بريطانيا في جلسة كشف أسرار وحساب كمحاولة للتصالح مع ذاوتهن ومع بعضهن البعض وأكثر معه كرجل شرقي لن يغادر إرثه الفحولي مهما ارتدى من حداثة ومابعد حداثة؛ ليتركن الفصل الأخير للزوجة تطالع فيه رواية كتبتها الصحفية عنهن وعنها. جندرية ولكن بوصلة العنوان تخفف من الصوت الأحادي للنسوة الذي يكتسح جلّ الرواية ولا نكاد نسمع همس الرجل المثقف إلا من خلال بعض الردود ومن التأملات التي أجرينها على علاقتهن معه والوصف الذي استدعى أن يغرمن به وما عدا ذلك يغيب الرجل ليتحول إلى شماعة يعلقن عليها ما يردن من تأويلات وتفسيرات. قلنا تخفف ولولا ذلك لوقعت الرواية في جندرية عصابية لن تخدم الجنس الروائي من حيث هو عابر للجندر البشري, فالسخرية والتهكم في العنوان تجعل القارئ يتنبه لمكر الراوي الذي يشن عبر شخصيات روايته حملة تعرية بحق هذا الرجل المثقف في حين يعريهن ويكشف هشاشة لم تقوِ صلبها القراءة ومهنة المتاعب والدبلوماسية لكل من القارئة والصحفية والدبلوماسية. الشخصيات في الرواية يتم التمثيل لهن بالحروف التالية» ص, د, ق» ما عدا الزوجة من حيث هي ملحق لمتن الرجل في حين محظياته هن ملك يمين وهذه الحروف مبتدأ الصفات التالية : الصحافية, الدبلوماسية , القارئة وعندما نجمعهم في كلمة وفق ترتيب معين تتجلى كلمة « صدق» وهنا نسأل : هل الرواية قضية صدق أو كذب؟ لا ريب أن الأمر يتعدى ذلك ليفتح الأمر على تأويلات أخرى من مثل: هل ما قصته الصحفية إلا تحقيقاً لها في إحدى الجرائد ليس أكثر وهي لم تعش العالم إلا من خلال شاشتها الافتراضية وخاصة أن العلاقة بدأت مع جميعهن عبر هذه الشاشة!؟. كذلك القارئة التي تحاول تقليد أحد روائيها الذين تعجب بهم, فتقرر أن تكتب رواية, فلم تجد غير تخيلاتها بعد أن تغلق رواية تقرؤها والدبلوماسية, أتكون قصتها, حلم يقظة لتوقع بالسفير الذي تعمل معه ولا يعيرها انتباهاً وهو يوقع أوراقه أما الزوجة, فهل وجدت بالرواية ما يرضي شكوكها حول زوجها!؟. على المقاربة أن تكون من هذه النواحي لكي نفكك عن الرواية ألغام الجندرية التي تركتها عبير مرعي. القيمة المضافة في بداية المقال تكلمنا عن المادة الخام وتحويلها لدلالات استعماليه أو استهلاكية وقيمة أي رواية تكمن بأن تكون لها القدرة على أن تقرأ عدّة مرات قبل أن تبهت ونجاح الكاتب يتوقف على تلك القدرة. تشتغل الرواية على خديعة أولية مكررة تناولتها الرواية النسوية بكثرة وخديعة مضادة للأولى تؤكد أن الأنثى هي من توقع نفسها لتتحول لمحظية لدنجوان. ذلك على أرضية مجتمعاتية وسياسية واقتصادية يدور تحت رحاها الواقع العربي بكل التساؤلات التي أفرزتها دولة الاستقلال والفورة النفطية والإعلامية. أربع نسوان ورجل مثقف رواية عبير مرعي الصادرة عن دار التكوين في دمشق 2012 |
|