تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


ما بين المهادنة والمراهنة.. سقط القناع

شؤون سياسية
الأربعاء 6-3-2013
لم يعد خافياً على أحد حالة النفاق اللامعقول وازدواجية المعايير التي تُميز السياسة الأمريكية تجاه الأزمات الدولية الحساسة، وعلى رأسها المشكلات التي تمر بها منطقة الشرق الأوسط، و النزاعات المحلية الهدامة

التي جاءت لتُزيح موضوع الصراع العربي الصهيوني من المقدمة وتجعله قضية ثانوية في أجندة الدول العربية التي استفاقت طلباً للحرية والديمقراطية المزعومة لتجد نفسها تقتل بعضها بعضاً في حرب الجاهلية التي هي مجرد عملية انتحار لا واع يُمارسها العرب بأيدٍ عربية وأموال عربية وسلاح غربي.‏

الحرب التي أدت إلى فوضى وتخريب ودمار في كل المجتمعات التي وصلت إليها اليد الأمريكية وحلفاؤها تحت ستار ما سمي « بالربيع العربي » لتمرير مشروع استعماري جديد بقوالب وأسماء جديدة ، فالولايات المتحدة التي تُعتبر رأس الأفعى في هذا المشروع تعتمد تارةً أسلوب المراهنة على خدمات عملائها المجانية من شيوخ وملوك ورؤساء حكومات ورؤساء استقدمتهم الديمقراطية الأمريكية الكاذبة ليُعوضوا لأمريكا خسائرها في حروبها المباشرة في المنطقة ، ولترسم الخريطة الاستعمارية الجديدة طريقها على قواعد الفتنة التي يُمكن استحضارها بقوة الجهل التي تسيطر على أطياف واسعة من الشارع العربي مما يُسهل لها ضياع البوصلة عند فئات عديدة من المجتمعات العربية التي تُقاتل بعضها البعض لأجل أوهام وشعارات مُفبركة أساساً في أقبية الاستخبارات الأمريكية والانكليزية في أكبر عملية تخريب ثقافي واجتماعي عرفها المجتمع العربي ، كما أن الإدارة الأمريكية تُراهن في الوقت ذاته على قدرتها في إسقاط الأنظمة الخارجة عن الطاعة الأمريكية في العالم من خلال ضرب مقومات القوة الكامنة لدى تلك الدول التي لا تقف في الصف الأمريكي وتُقاوم مشروع الهيمنة الأمريكي ، وتعول أمريكا على عملائها وأدواتها التي تعمل ليل نهار على تقديم الخدمات المجانية خدمةً للمشروع الصهيو-أمريكي الذي يهدف إلى تسخير إمكانات المنطقة بكاملها لخدمة المصالح الأمريكية والغربية والتي في مقدمتها ضمان أمن ومستقبل إسرائيل على حساب جوارها العربي المتصارع .‏

مارست الإدارة الأمريكية الأجندة ذاتها في سورية ، وما بين المهادنة على الوقت بانتظار الانتصار الموعود للإرهاب المسلح على الأرض ، وبين المراهنة على إنهاك الجيش العربي السوري وانقلابه على عقيدته المتأصلة سقط قناع القضاء على الدولة السورية ، وترجل السيد الأمريكي عن فرسه ليُقبل الأرض تحت أقدام بواسل الجيش العربي السوري الذي حدد ملامح الحل ورسم خريطة الطريق لدفن المشروع التخريبي الذي يهدف إلى إشعال المنطقة برمتها بحروب طائفية لا نهاية لها .‏

واجهت القيادة السياسية في سورية مشروع تدمير المنطقة العربية بحكمة عالية ودراية تامة بخطواته وعواقبه بعد أن كشفته بكل أبعاده ، و كان السفير الأمريكي « فورد » يأسف لفشل معركة دمشق الكبرى ، ولا يزال يعيش أحلام اليقظة في تصريحات غبية وتهديد لسورية بإعادة التحالف مع جبهة النصرة وإطلاق يدها في سورية من جديد في عملية استنهاض واهمة لمعنويات عملائهم المنهارة ، كما يُحاول شيخ الدبلوماسية الأمريكية الجديد تحسين حالة حلفائهم في ائتلاف الدوحة الذين يواجهون حالة يأس فعلي على الأرض من خلال تقديم الدعم المالي والسلاح لهم وحثهم على التمسك بشروط غير قابلة للتطبيق لإطالة أمد الأزمة السورية، ومنع نجاح الحوار الذي دعا إليه السيد الرئيس بشار الأسد في مشروع حل وطني متكامل مبني على أسس من مواثيق الأمم المتحدة وقوانينها، لكن عربة الحوار سارت على الطريق الصحيح، ومن أراد أن يكون له دور في بناء سورية الحديثة عليه أن يلتحق بطاولة الحوار، ويستسلم للديمقراطية الحقيقية عبر صناديق الاقتراع التي تُحدد مستقبل سورية بقرار سوري مستقل وبإرادة الشعب السوري الذي سينقذ السفينة نتيجة لتلاحم الثالوث المقدس (الشعب والجيش والقيادة ) و رغم كل ما قدمته وتُقدمه أمريكا وحلفاؤها وأدواتها في المنطقة من دعم مالي وتقني وعسكري وسياسي للإرهاب الدولي العابر للحدود فلن يفلحوا في تدمير سورية بعد مرور عامين متواصلين من الجهود الضائعة، وإن الصمود السوري الأسطوري وموقف حلفاء سورية الصادقين أدى إلى فقدان السياسة الأمريكية للكثير من حيويتها وبريقها وانحسار الدور الأمريكي، ليس في منطقة الشرق الأوسط فحسب، بل كذلك على الساحة الدولية بكاملها، حيث ولد من رحم الأزمة السورية توازن دولي جديد تقوده كل من روسيا والصين ودول مجموعة البريكس التي حدّت من تسييس الأمم المتحدة و حالت دون أن تكون جسراً لعبور سياسة الهيمنة الأمريكية على العالم تحت ذرائع مختلفة .‏

بالرغم من الانتقادات التي توجه للسياسة الأمريكية نجد أنها تستمر باللعب على ذات الوتر، وفي آخر اجتماع لوزير خارجية أمريكا « جون كيري» مع وزير خارجية روسيا « سيرغي لافروف » أكد الجانبان على الالتزام ببنود اجتماع جنيف الذي عقد في 30 حزيران 2012 ، ليخرج كيري من جديد ويخلط الأوراق بشكل غريب حيث يعلن عن : رغبة واشنطن البحث عن سبل إسراع العملية السياسية الهادفة إلى إنهاء الأزمة السورية من جهة، ويعود ويؤكد أن الولايات المتحدة ستستمر بتقديم الدعم والمساعدة للمجموعات الإرهابية المسلحة في سورية من جهة أخرى، كما حصل في اجتماع روما في نهاية شهر شباط !‏

من المؤكد أن الولايات المتحدة الأمريكية لم ولن تُغير من استراتيجياتها الملتوية التي تجمع المتناقضات بين الواجب المطلوب وبين ما تقوم به في الواقع، وتستمر في نهج اعتماد الموقف ونقيضه لنفس القضية في مكانين مختلفين، السؤال الذي يطرح نفسه في مثل هذه الأجندة : كيف للإدارة الأمريكية أن تضع جبهة النصرة على لائحة التنظيمات الإرهابية، وفي نفس الوقت تمنع مجلس الأمن الدولي من إدانة الجرائم التي تقوم بها جبهة النصرة في سورية ؟ وكيف تُجيز لنفسها تقديم مساعدات وهي تعلم علم اليقين أن هذه المساعدات ستصل إلى جبهة النصرة وشركائها في سفك الدم السوري البريء على الأرض السورية ؟‏

نحن في سورية لا نثق بما تقوله أمريكا نتيجة تجربة طويلة ، كما لا نتوقع من أي دولة كبرى مارست الاستعمار ولم تزل تطمح إليه أن تكون صادقة في نواياها تجاه الشعوب الفقيرة ، وفي الوقت ذاته هناك دول حليفة للشعب السوري تُرفع لها القبعة نتيجة ثباتها على مواقفها العادلة خدمة للشعوب المظلومة في العالم، وعلى رأس هذه الدول : روسيا الاتحادية والصين الشعبية وشركاؤهم في مجموعة دول البريكس الصاعدة ، وإن الشعب السوري بجميع أطيافه يثق بحتمية النصر الذي سيُحققه بهمة جيشه العربي البطل الذي حمى سورية، وسيظل لها الدرع الحصين في وجه أعداء الخارج والداخل، والذي سيُذهل العالم بأسره .‏

Email: m.a.mustafa@mail.sy

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية