تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


الجوائز الثقافية في منظور ساراماغو وسارتر.. كان يعجبني أن أكون كاتباً!

فضاءات ثقافية
الاثنين 30-7-2012
كثرت الجهات التي تقدم جوائز للمثقفين والمؤلفين في مجالات الأدب المتنوعة، من هيئات حكومية إلى مؤسسات أهلية، بل وأيضا أسماء عرف عنها التفاعل مع المجتمع وقضاياه أخذت على عاتقها اطلاق جوائز للمبدعين من الروائيين والقاصين والشعراء.

وفي دول الخليج العربية وحدها، نجد عشرات الجهات التي أخذت على عاتقها تشجيع وتكريم الأدب والثقافةـ وعلى الرغم من تصاعد النقاش حول جدوى منح جوائز للإبداع بصفة عامة، إلا أن هناك آراء تقول: كيف تتم مكافأة مؤلف كتب عن معاناة البؤساء والمعذبين، أي إنه استلهم إبداعه من حرمان المحرومين، ثم يأتي من يمنحه الأوسمة والشهادات والمبالغ المالية، ويصعد (المبدع) على منصات التشريفات.. وهو لم يكن ليصل إلى هذه الدرجة، ويرتقي سلم النجاح لولا أولئك الملهمين الغارقين في المعاناة والألم من الفقراء والمعدمين؟‏‏

في المقابل هناك آراء أعمق وأكثر اتساعا تعتبر ظاهرة الجوائز الأدبية، هي ظاهرة صحية تنم عن وعي المجتمع وتطوره ورقيه، وبالتالي فإنها أصبحت علامة معاصرة. ولكن هل يجوز أن ينحصر الدعم والرعاية والاهتمام للحركة الثقافية والأدبية في مجال منح الجوائز التقديرية والمالية فحسب، أم أن هناك أفكاراً أفعل وأكثر جدوى على صعيد توفير دعم مستدام لحركة التأليف والنشر، وبالتالي الوقوف مع المؤلفين والكتاب.‏‏

الكاتب البرتغالي خوسيه ساراماغو، يقدم إجابة صادقة عن تلك التساؤلات. فبعد الإعلان عن فوزه بجائزة نوبل في الأدب، تحدث طويلاً خلال مؤتمر صحفي، عن مشاعره حول هذا التكريم، وهل كان ينتظر الفوز بنوبل، فجاء كلامه وكأنه بحد ذاته نص أدبي رفيع بما فيه من دفء وحميمية حيث قال: “أحيانا ينبغي أن أخاطب نفسي قائلاً: (لا تنس أنهم أعطوك جائزة). وهذه هي وضعية شخص مضطهد، إذ أني عشت أيامي، يوماً بيوم، في لحظتها وساعتها وعملها ومسؤوليتها، كما هي حال العالم كله تقريبا، الذي يولد ويعيش وينمو ويعمل إلى أن تصل اللحظة التي يرحل فيها دون أن يترك شيئا. وكان من الممكن أن يحدث هذا، وخاصة لأني ولدت في كنف عائلة لم تملك شيئا. واشتريت أول كتبي وعمري 18 عاماً، وبالتالي كان يمكن أن يصوب كل شيء في حياتي إلى أي شيء، لكن ليس إلى جائزة نوبل. إن المرء لا يولد من أجل جائزة نوبل، مثلما لا يولد لهذا أو لذاك، مع أن هناك ملايين من الناس يولدون وهم يعرفون من أجل ماذا يولدون: من أجل البؤس.. وكان من الممكن أن يكون هذا حالي، لأني ولدت في قرية مضطهدة وفي عائلة من الرعاة ولا أذكر أن أحداً آخر من عائلتي كان يعرف القراءة. وما أتذكره هو أني قلت وأنا في الـ 17 من عمري: (كان يعجبني أن أكون كاتباً). لكن لم يعطني أحد في تلك اللحظة أي ضمان بأن هذا كان من الممكن أن يحدث.. وحدث. وجرى بعكس ما هي خرافة عصرية، أي أن المرء يدخل في الشيخوخة بدءاً من الـ 35 عاماً. وربما من الجدير ذكره أن فيردي لحّن الـ (السعيد) عن عمر يناهز التسعين عاماً, وأنا حصلت على جائزة نوبل وعمري 76. إذن أعمل معروفاً ولا تزدري الكبار لأن لديهم خبرة كبيرة, وعملوا كثيراً وعانوا وأحسّوا وتأملوا كثيراً وفي الأثناء التي لا يصل فيها (الزهايمر) إلينا سنواصل العمل”.‏‏

الجوائز فعل جميل لكنها غير كافية، وفي أحيان تذهب لمن يرى أنها تتنافى مع مبادئه فيرفضها، تماماً كما حدث في قصة الأديب الفرنسي جان بول سارتر، الذي منح جائزة نوبل في الأدب عام 1964، لكنه رفض استلامها، فأعيد المبلغ إلى مؤسسة جائزة نوبل، ثم برر هذا الرفض قائلاً: “إن رفضي لاستلام الجائزة ليس فعلاً مرتجلاً، وإنما لأنني رفضت دائماً التشريفات الرسمية... وهذه الفكرة تنبع من تصوري لمهمة الكاتب... ذلك أن كل ألوان التميزات التي يمكن أن يقبلها الكاتب تعرّض قراءه لضغطٍ أراه غير مرغوب فيه”.‏‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية