تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


وصايا الغبار ... مفارقات الواقع والخيال

رؤيـــــــــة
الاثنين 30-7-2012
تقدم رواية «وصايا الغبار» لمؤلفها مازن عرفة عرضا للواقع الاجتماعي والثقافي والاقتصادي عبر قراءة متأنية لمكونات المجتمع بكل أطيافه وتوصيف دقيق للحالة الراهنة مع محاولة استشراف

ما يمكن أن تؤول إليه إن بقيت منظومة العلاقات التي تحكمها على حالها.وفي تقرير اعده بديع صنيج ونشرته سانا قال :‏

وتتشعب الرواية الصادرة عن دار التكوين بدمشق في أحداثها بفضح أيديولوجية النعيم الديني بكل أبعادها استناداً إلى فتاوى «آلهة الصحراء» كما يسميهم الكاتب وبتفنيد الجنة الأمريكية التي تطرح نفسها بديلاً أساسياً بالاعتماد على ثقافة الاستهلاك التي شوهتنا نفسياً وروحياً عبر رؤى شخصيات مفصلية في مواقع اتخاذ القرار الأمريكي وصولاً إلى فضح العقلية الخشبية للرقابة العربية على الكتاب وممارساتها غير الواعية بل الجاهلة برموز ثقافية عالمية أو عربية لها تأثيراتها المستمرة حتى الآن على وعي كل مثقف حقيقي.‏

وتخرج الرواية إلى الضوء عبر صفحات مثيرة من السخرية والألم فاضحة التردي الثقافي الذي وصلنا إليه بخليط من التراجيديا القاسية والكوميديا السوداء في إطار يصل فيه المؤلف إلى أقصى درجات الفنتازيا اللامعقولة فهو يصور ذاته الهائمة في بحثها عن اليقين وإمكانية صياغة الأحلام بطريقة مختلفة دون أن يكون مضطراً في كل وقت أن يبرر عدم علاقته بأسباب الفساد المستشري وإنما فقط المحافظة على حلمه الصغير في البحث عن «العيون العسلية» بعد اجتراره في غربته لمئات العيون الرمادية الباهتة.‏

وتحكي الرواية - 664 صفحة من القطع الكبير- عن عودة شاب من إحدى الدول التي سافر إليها للدراسة حالماً بامرأة مختلفة عن جميع اللواتي مررن بحياته من إلهام.. جورجيت.. رولا.. سهام.. هند.. سهير.. وتالة ولكنها تمتلك جميع الخصال الإيجابية لنسائه الحسناوات ليعيش معها في عوالمه غير الواقعية حياة غريبة تائهاً بين أحلام يقظته وبين طموحاته الواقعية التي يرغب بتحقيقها بعد أن يتوظف ضمن دائرة ثقافية يكون فيها الشاهد الواعي على الكثير من المفاسد الثقافية ضمن منظومة متكاملة من الابتزاز والاستغلال والإذلال وغيرها.‏

ويعتمد «عرفة» على مفارقات الواقع التي تتشابك مع العوالم الماورائية والأحلام والخيالات لتشكل عالمه الروائي الذي يضطلع الراوي فيه بدور العارف لكل شيء حيث نرى السرد عبارة عن تداعيات حرة مطولة تتوالى مارة بمجموعة من الذرى التي تضفي بعض الجوانب الغرائبية مقتربة في بعض فصولها من السرد الملحمي الذي يغرق القارئ معه في استيهامات متواصلة تجعله يعيش مع الرواية حالة من الرغبة في معرفة خاتمة هذا البطل الراوي لاسيما في ظل علاقته المتوترة مع الواقع.‏

وينتقد الراوي اللحاق الأعمى بركب الحداثة دون الاتكاء على ركائز المعرفة الأساسية والتي تنطلق من التراث مارة بمجموعة من المراحل المنطقية تستطيع التأسيس لمنظومات اجتماعية واقتصادية وسياسية جديدة يمكن من خلالها وضع تصورات متميزة منبثقة من صميم المخزون الذاتي للمجتمع على اختلاف مستوياته الثقافية والمعرفية وذلك بدل الانتقال من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار أو العكس والتخلي عن كل شيء دفعة واحدة من أجل مواكبة الحداثة أو الانخراط في العولمة.‏

ويزداد هجاء عرفة للعادات والتقاليد التي تأسر العقول معتمدة على مجموعة من الفتاوى التي تهدف إلى المتاجرة باسم الدين بغية التحايل على البسطاء والسذج راسماً كاريكاتيرات مميزة لشخصيات لها أشباهها في بعض المجتمعات التي تسيطر فيها الرغبات على العقل ومن ذلك يسرد الراوي يومياته عائداً إلى طفولته في القرية وما سمعه فيها عن المذرة التي تسحر الرجال وتغويهم وتمسخهم لاحقاً بعد أن تنال منهم مروراً بعلاقته مع صديقه الناشر وأيضاً مع زملائه في الدائرة الثقافية وغيرها.‏

ويركز صاحب «سحر الكتاب وفتنة الصورة» في روايته على السرد المستقبلي مستقرئاً الوقائع ومتنبئاً بما قد يحدث إذا ما صح استقراؤه للأحداث لتكون حكاياته بتفاصيلها الدقيقة مجموعة من القصص القصيرة المترابطة عبر شخصية الراوي ذاته والتي جاءت على شكل وصايا يتمنى ألا تذروها رياح الزمن كالغبار بل أن تكون الأساس الذي تنطلق منه الأجيال القادمة في التخطيط لواقع أفضل يختفي منه الفساد بكافة أشكاله الاجتماعية والاقتصادية والثقافية والسياسية .‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية