تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


معــركـة حلـب... فـي الخطورة!.. والتـداعيات؟

الصفحة الاولى
الاثنين 30-7-2012
العميد الدكتور أمين محمد حطيط *

لم تحظ منطقة في سورية منذ بداية العدوان عليها بمثل ما تحظى به اليوم مدينة حلب من اهتمام ومتابعة دولية وترقب لنتائج ما يدور فيها وحولها ورغم ان المدينة تستحق بذاتها الاهتمام المميز فإن السلوك الدولي حيالها تخطى ما هي عليه من واقع أساسي وبدا اهتمام لا يمكن

فهم أسبابه الا بالعودة الى المراحل التي نفذت في سياق العدوان ذاك والنتائج التي انتهى إليها بعد ان فشل في مراحله المتعاقبة منذ انطلاقه الى إن وصل الى ماهو فيه الآن.‏

فكما نعلم فإن التحرك الشعبي في سورية والذي انقلب بعد ذلك الى عدوان مخطط خارجياً وبصورة واضحة المعالم، ابتدأ بمقولة طلب الإصلاح وسلمية التحرك، والاصلاح مطلب حق لا ينكره عاقل لكن الخطة افتضحت بعد ان استجابت الدولة وشرعت بالسير في العمل الاصلاحي الذي رفض من قبل مخطط العدوان والذي رفع شعار اسقاط النظام وهو الهدف الحقيقي للعدوان اصلاً، وكان ادعاء بأن الامر هذا إنما هو مطلب الأكثرية الشعبية، لكن وعي الشعب السوري فضح الادعاء ايضاً حيث لم يستجب لنداءات التظاهر والفوضى وكان معظم من نزل الى الشارع من المضللين أو المأجورين وقلة كانت ممن يدركون ما يفعلون، وبالتالي فشلت محاولة تثبيت فكرة «إن الشعب يريد إسقاط النظام» وجاءت الاستطلاعات لتؤكد أن الشعب يريد ويؤيد رئيسه ودولته القائمة بنظامها الجاري اصلاحه بوتيرة سريعة، نتائج دفعت المخطط للانتقال الى ممارسة العنف ومواجهة قوى الأمن والاعتداء عليها رغم أنها كانت ملتزمة بقرار الرئيس - القائد العام للقوات المسلحة بعدم استعمال السلاح أو الرد على العنف بالعنف، سلوك قد يكون اغرى المخطط فانتقل الى المرحلة الرابعة وهي وضع اليد على مناطق حدودية قريبة من الاردن ولبنان وتركيا لتشكل رؤوس جسور للتدخل الاجنبي المعول عليه عبر قرار من مجلس الامن تحت الفصل السابع لكن خطة الجسور فشلت ايضاً ميدانياً بعد ان اتخذ القرار السوري بالمعالجة وفقاً لما يناسب، ودبلوماسياً بعد ان اجهضت روسيا والصين المحاولات الغربية في مجلس الامن التي قامت بها اميركا متكئة على قرارات مجموعة الدوحة الصهيونية التي كان اسمها الجامعة العربية، فكان بعد الفشل انتقال الى الحلقة الخامسة عبر احتلال احياء أو مدن وإقامة مناطق في الداخل خارج سيطرة الدولة من أجل توسيع مساحاتها حتى تتصل فيما بينها وتشكل عامل ضغط يخنق الحكومة السورية واجهزتها، لكن الدولة تعاملت مع الموضوع بما يقتضيه الموقف وتمكنت من إسقاط قاعدة بابا عمرو من اجهاض مرحلة هامة وخطيرة فانتقل المخطط بعد ذلك الى مرحلة المشاغلة الارهابية المتعددة الانواع والمستويات بغية انهاك الجسم السوري ودفعه للتآكل الذاتي تمهيداً للضربة القاصمة الحاسمة، وقد ظن المخطط انه نجح على مدى ثلاثة اشهر في عمله فسارع الى اطلاق المرحلة الأهم والأخطر وعلها تكون الاخيرة وفقاً لاعتقاده وهي مرحلة الحسم النهائي التي اعدت بعناية واحكام وحشد لها كل ما هو متاح لجبهة العدوان من وسائل.‏

وارتكزت الخطة على استراتيجية ضرب الرأس والتقاط الاطراف المتناثرة بعد تحطيمه.‏

ومن غير شك يمكن القول ان خطة «بركان دمشق .. زلزال سورية» كانت السهم الاقوى والأخطر والذي شاءه المخطط السهم الحاسم الذي اخرجه من جعبته، لذلك احاطها بالعناية الفائقة وسخر لها كل الامكانات الممكنة وهي ليست بقليلة وتنفيذياً ارتكزت هذه الخطة على الاستيلاء على كل من دمشق وحلب بعمل صاعق وانتشار سريع مكثف للمسلحين. بحيث يتمكن هؤلاء في غضون 48 ساعة من الانتشار القوي في كامل المدينتين وبشكل يجعل من المستحيل على أي جيش تقليدي ان يخرجهم منهما لاستعادة السيطرة، وبات شبه مسلم به بأن من شارك بعملية التنفيذ والانقضاض على المدينتين تعدى في مجموعه العام الـ25 ألف مسلح من سوريين وغير سوريين يقودهم ضباط اجانب محترفون ويواكبهم 5 غرف عمليات ميدانية في الداخل السوري و3 غرف عمليات على حدود سورية مع لبنان والاردن وتركيا وغرفة مركزية في الدوحة في قطر وكما كان المخطط قد اشاع سابقاً بأن النظام سيسقط في تموز ثم في ايلول ثم في كانون اول 2011 فانه اشاع هذه المرة ان منتصف شهر آب 2012 سيكون عيد الانتصار الصهيواميركي على سورية ومن اجل ذلك جهز 140 مشهداً وفيلماً سينمائياً اعدت في هوليود لتوثق هذا الحدث الذي اسمته اميركا «السقوط المدوي» وتروجه عالمياً.‏

لقد دفع المخطط بكل زخمه إلى الميدان الدمشقي أولاً مستغلاً ما توهمه من فراغ نشأ إثر اغتيال بعض من القادة الكبار في خلية الأزمة، وانتشرت قوى الإرهاب الأميركي سريعاً في ثلث دمشق تقريباً، واستعدت بعد القفزة الأولى هذه للانتشار في الثلث الثاني ولوضع اليد على المراكز والمرافق العامة التي تديرها الدولة، ترافق العمل هذا مع تسلل مكثف عبر الحدود التركية لأعداد كبيرة من المسلحين باتجاه حلب، واكبته تركيا بإغلاق حدودها ونشر قواها العسكرية من أجل الضغط وإظهار استعدادها لإنشاء المنطقة الآمنة ودعم الإرهابيين في حلب والشمال، لتمكينهم من تحويل حلب إلى بنغازي سورية وإعلان الحكومة الانتقالية التي نادى بها فابيوس وزير خارجية فرنسا ناطقاً باسم الغرب.‏

لكن رغم كل ما ذكر من إحكام الخطة وإتقان تنفيذها كانت صدمة المخطط كبيرة عندما عاين تطورات الميدان صدمة أفقدته توازنه وراح يتلفظ ويتصرف بشكل مثير للسخرية والهزء منه، حيث ان القوات المسلحة السورية استطاعت وبأقل قدر ممكن من الخسائر وفي مهلة قياسية بقصرها أن تطهر دمشق بمعظم الأحياء التي دنسها الإرهابيون، عبر مناورة ذكية بدأت بعملية الصد والوقف وانتقلت إلى المهاجمة والسحق وتتابعت بعملية الملاحقة والتطهير، وكانت النتيجة ببساطة خسارة المخطط لفرصة السيطرة على أول مدينة من المدينتين، فركز على حلب (المدينة الثانية) وعول عليها لتكون المخرج المنقذ من الهزيمة ولتعويم الخطة أولاً، وتالياً تعويم العدوان والسير به مجدداً نحو هدفه الرئيسي إسقاط نظام المقاومة السوري، وعليه أضحت حلب باب الأمل، أو نهاية الرهان الغربي على العدوان كله وبات وزنها بالمنظور الغربي ووفقاً لقواعد المنفعة الحدية، يعادل وزن الانتصار في الحرب كلها.‏

ولكن ومرة أخرى يصدم المعتدي، بعد أن أدرك ما آل إليه الوضع في حلب، حيث إن الإرهابيين لم يتمكنوا من الوصول إلى أكثر من 5 أحياء من أصل 29 حياً في المدينة، ثم إن المجتمع الحلبي رفضهم وأقفل أبواب الأبنية بوجههم وتعاون مع الجيش العربي السوري تعاوناً وضع الإرهابيين بين سندان الأهالي ومطرقة القوات المسلحة، أضف إلى ذلك أن الإرهابيين الذين زج بهم في المعركة كانوا في جزء لا بأس به من الصبية المغرر بهم الذين لم يختبروا الميدان ولم يألفوا مصاعبه، أو من مرتزقة أو من مضللين غير سوريين لا يملكون إرادة القتال، ولا نهمل طبعاً وجود آخرين بعكس ذلك من الإرهابيين المحترفين.‏

أما الخطة العسكرية السورية التي وضعت لحلب فقد راعت الموقف وواقع المدينة وتم اختيار وحدات مناسبة للتنفيذ، فكان لهذا الأمر الأثر البالغ في إفهام المخطط بأن هجومه على حلب بات ميئوساً منه وأن تطهيرها من الإرهابيين ليس إلا مسألة وقت تحدده القوى الميدانية العاملة انطلاقاً من مراعاة سلامة المدنيين الذين اتخذ الإرهابيون بعضهم دروعاً بشرية.‏

هذه الصورة الكئيبة بالنسبة للمعتدين جعلت الغرب يهذي عند الحديث عن حلب التي أرادوها منطلقاً ناجعاً وحاسماً لإسقاط سورية، لكنها استحالت اليوم مع انطلاق عملية المعالجة والتطهير إلى مقبرة للأحلام الأميركية، وكما قلنا فقد كان مثيراً للسخرية أن تتحدث أميركا عن «عدم أخلاقية استعمال الطوافات» في معركة حلب، أو أن تحذر من مجزرة فيها وهي التي صنعت بيئة القتل والعدوان عليها، وكلها مواقف ليس القصد منها إلا حماية الإرهابيين والحؤول دون اجتثاثهم من المدينة وهو أمر لن يستجاب له طبعاً.‏

إن أهمية معركة حلب مستمدة إذاً مما سبقها ومما سيترتب عليها، لأن استعادة الدولة للأحياء التي اعتديى عليها - وهو أمر بات مؤكداً وفي مهلة معقولة - سيؤدي إلى كسر الحلقة الأهم والأخطر من حلقات العدوان والتي ستضع المخطط أمام مرحلة جديدة قد يغيب عن أهدافها الظاهرة «مقولة إسقاط النظام» وهنا ستكون الكارثة التي تحدثت عنها هيلاري كلنتون، ولكنها كارثة استراتيجية على أميركا ونصر لسورية ومحورها ستبني عليه لمتابعة معالجة البؤر المتبقية من الإرهابيين والثبات في الموقع الاستراتيجي الذي حددته لنفسها.‏

* أستاذ جامعي وباحث استراتيجي‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية