|
إضاءات أنه يصعب على الباحث عن الدينامية التي تحركها إمساك طرف الخيط الموصل إلى تلك القوة، هذان العاملان هما اللذان يفسران طول أمد الأزمة أولاً وعدم القدرة على ضبط إيقاع حركتها ثانياً، ولعل الفشل الذي أصاب كل المبادرات التي طرحت للحل سواء خطة كوفي أنان أم غيرها هو أحد المؤشرات على ذلك. إن المشهد الدولي والإقليمي الذي يحيط بظروف الأزمة وحالة التوجس والخوف التي تحكم الجميع من تداعياتها وانعكاس ذلك على الأمن الإقليمي والدولي، يجعل طرح سؤال من قبيل: لماذا كل هذه اللامبالاة وعدم الجدية في اتخاذ مواقف واضحة من قبل الأطراف الخارجية التي تنفخ في محرقتها لاجتراح حل سياسي للأزمة؟ سؤال مشروع وأساسي ولاسيما أن البعد الخارجي في الأزمة السورية ودرجة انكشاف مواقف بعض اللاعبين الإقليميين والدوليين لم يكن في يوم من الأيام أوضح مما هوعليه الآن؟ ثم كيف يمكننا تفسير إظهار الحرص على وقف نزيف الدم السوري بل التباكي عليه والدعوة في الوقت ذاته إلى تدخل دولي تحت الفصل السابع، وكأن التدخل يأتي عبر طيور النورس لا عبر البوارج وأزيز الرصاص وهدير المدافع وشلالات الدم وأشلاء القتلى؟! وتالياً وهو ما يدعو إلى مزيد من الاستغراب ووضع الكثير من علامات الاستفهام والتعجب، كيف لمنظمات دولية عريقة أنيط بها الحفاظ على الأمن والسلم الدوليين أن تستبعد كل الخيارات السلمية وتضع عنواناً واحداً لها وهو خيار القوة لحل أزمة داخلية؟ يفترض بتلك المنظمات إن كانت منسجمة حقيقة مع مبادئها أن تجعل الخيار السلمي أولوية في كل حراكها السياسي والدبلوماسي، لا أن تدفع بها إلى مزيد من التعقيد والتصعيد بحيث تصبح إمكانية جلوس أطرافها إلى طاولة الحوار من قبيل المستحيلات، بالنظر إلى الكلفة العالية من دماء نزفت وطاقات أهدرت وبنى دمرت، ناهيك عن تراكم منسوب الحقد والكراهية والشحناء المترافق معها، متناغماً مع ضخ إعلامي بغيض وغير مسبوق ينفخ ليل نهار في أتون محرقتها. إن صب الزيت على نار الأزمة السورية لن يكون في خدمة السوريون أياً كانوا موالاة أم معارضة لأن المستهدف بالنتيجة هو سورية والسوريين جميعاً ودون استثناء، فالقضية باتت واضحة للجميع والحديث عن إصلاحات وغيرها أصبح من باب لزوم ما لا يلزم، فلا طائل منه لا بل إنه أصبح عند البعض أمراً غير مرغوب فيه، وهنا تصبح مواقف كل من يدعي الحرص على دماء السوريين تحت الاختبار، وبالمقابل -وهو ما يتعلق بدول الإقليم- فعلى كل من اعتقد أنه سيكون بمنأى عن النيران السورية وفي مقدمتهم أولئك الذين أجادوا لعبة إشعال الحرائق على طريقة الروموت كونترول وحققوا نجاحات في أكثر من مكان، إدراك حقيقة أن المنطقة بكاملها تشكل منظومة أمنية واحدة، وإن العبث في أمن واستقرار أي منها ستكون له ارتدادات على كامل المنظومة، لأنها متشابهة ومترابطة ثقافياً وديموغرافياً وإثنياً، ومن مصلحة جميع أبنائها الحفاظ على أمنها واستقرارها وعدم الافساح في المجال للقوى الخارجية كي تمعن في تدخلها بشؤونها الداخلية ومقدراتها، لأن للكثير منها مصلحة حقيقية في أن تعيش المنطقة على نار صفيح ساخن؟ |
|