تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


(ايمتى رح يطلع الضو) مشاعر إنسانية تتحدى القهر

مسرح
الثلاثاء 5-6-2012
آنا عزيز الخضر

أحزان، ورثاء، مأساة، وأجواء جنائزية وبكائيات، تبدأ ولا تنتهي، تعيشها الأم السورية منذ أكثر من عام، وها هو عرض (ايمتى رح يطلع الضو) على صالة مسرح (نبيل يونس) يستعير بعضاً من تلك المشاهد في محاوره المتجاورة،

ليضرم ناراً تؤرق الأرواح سلفاً، وقد أدمي قلب المجتمع السوري، من هنا أبكى العرض جمهوره، الذي يعاني أصلاً من سفك الدم السوري، دراما واقعية تمخضت عن تجربة مسرحية، بدأت بورشة عمل في التمثيل والكتابة، وانتهت بعرض مسرحي، من إنتاج وزارة التربية ومديرية المسارح والموسيقا، وقد شاركت المتدربات في تأليف لوحات العمل التي تختلف بقصصها، وتتشابه في مأساتها، ونتيجة نقل العرض للكثير من مشاهد آلامنا اليومية، التي نعيشها بفعل تلك المؤامرة الكونية، على وطننا، ومن خلال مشاعر مأخوذة بالحزن على الدم الغالي، فقد تمكن نصه أن يسابق أهم النصوص المسرحية تأثيراً وتفاعلاً، لشفافيته وصدقه، وقربه من هموم تستقطب الجميع، ومأساة دم تعكس صور المؤامرات، وصور الغدر والنفاق السياسي، الذي يدفع فاتورته ذلك الدم الطاهر، إذ يصنعون المجازر، ويقترفونها بأدواتهم الرخيصة، ثم يتباكون، ويجتمعون ويصدرون البيانات وهكذا، وهاهي الأم السورية تتحدث عن فجائعها وفجائع جيرانها وقريباتها ومعارفها، وتفضح الأكاذيب بحنو قلبها.إذ إنه رغم الصدمات المتوالية التي يعيشها هذا الشعب المعطاء والأبي والصابر، فإنه يبقى قوياً دوماً، يقدم الشهداء، من أجل أن تبقى سورية شامخة، رغم كل الأحزان، وقد اختصر العرض حزن سورية، من خلال حزن الأمهات، والتي قدمت كل منهن مشاعرها بطريقة ما، ورغم أن العرض شكل صياغة متميزة لخلاصة ورشة عمل، عبر لوحات متعددة، إلا أنها تحولت جميعها إلى صرخات مدوية، تربك الوجدان والضمائر، وتفطر القلوب، وذلك لأن كل قصة حملت شيئاً ما من الواقع، وامتلكت مقدرة التعبير عن مأساة سفك الدم الغالي، فكل أم باحت بقصة، اختصرت مئات القصص، التي سيدونها التاريخ في صفحاته، صفحات غدر تقصيها صفحات مجد، رسمها نقاء الدم السوري، وتضحيات جسدت ملاحم إنسانية، ستعلم البشرية، كيف ينتصر الحق مهما طغى الغادرون، نعم تحولت صالة (مسرح نبيل يونس)إلى مشهديه مسرحية نادرة، تؤرخ لواقع ولتحدي شعب لا يأبه، بأي صعاب، يستمر بتحديه وبعمله، وبقول كلمته شاهراً راية الحق، تلك التي تنتصر أبداً، ولم يقو عليها الزمن في يوم من الأيام، فذاك العرض عندما يتيح لكل أم رواية قصتها، فإن كل قصة تتحدث بشكل من الأشكال، عن اغتيال إنساني يسرق الأمان من النفوس، ولكنه يصرخ معلناً دفاعه عن الوطن، وقد صور العرض تراجيديا عظيمة وبطولة إنسان يؤمن بوطنه، لأنه ورغم كل ذلك الوجع، فإننا نرى الأم السورية، تخرج للملأ، وتقول كلنا فداء سورية، وأتى ذلك على لسان آلاف الأمهات السوريات، وشعب يحمل هذه الإرادة، سينتصر حتماً، نجح العرض في نقل ذلك، خصوصاً أن من ألفه أمهات، مشاعرهن معجونة بهم وطني وحقائق، وقلوبهن حزينة على أبناء الوطن، فاستطاع العرض، أن يتشابك مع الواقع ويصور الآلام، بعد أن أبدعت كل أم بتأليفها وأدائها وتمثيلها، فالتأليف كان جماعياً، مما فرض على العرض، أسلوب المنولوج وسرديات تتضمن البوح الشفاف، الذي يخبئ بين سطوره مشاعر الصدق بغناها، إنها مشاعر يتداخل فيها الخاص بالعام، ويتداخل فيها الصمود على قدر الخوف على الوطن، فكل حكاية تروي قصة استشهاد سوري، وكل استشهاد عبر عن مأساة في اتجاه ما، منها استشهاد مجد ابن الجيران، ثم استشهاد محمد ابن إحدى القريبات، وأتت بعض القصص حول مشاعر اليتامى، وهناك قصص أيضا تحدثت عن هجرة بعض العائلات خوفاً من الأماكن المشتعلة، وأخرى تحدثت كيف خافت تلك الأم من ذهاب ابنها إلى الخدمة الإلزامية، في هذا الوقت الصعب، خصوصا إن تلك الحالة تشكل حزنا كبيراً عند كل السوريين، فكيف يموت الأبناء بيد إخوانهم، هذه مسألة كالطعنة في القلب لم نعتد عليها في مجتمع التعايش والحب...، كما إن أماً أخرى تحدثت عن حزن ابنها يزن ابن الخامسة عشرة، الذي فقد صديقه، وكيف بدأ التفكير بالانتقام، وقد حولوا وجهته من شاب يفكر بالحياة والمستقبل الجميل، إلى إنسان تشغله المشاعر القاسية، التي هيمنت عليها العدوانية، لولا عودته لتربيته، فيراجع نفسه، وقد وجد الخطأ بعينه، ولا ذنب له، حيث أربك كثيرا بما حصل...، كما انه حضرت قصص، تتحدث كيف سرقوا الطفولة، وجعلوها مأخوذة بالأزمة، وجروها إلى معايشة الآلام والخوف، والانشغال بأشياء لم تكن تخطر بباله، خصوصا أن الحزن دخل إلى كل بيت سوري، ولم يستثن أحداً.‏

وهكذا تابعت الأمهات أحاديثهن وأكملت البوح......‏

أما أبو يحيى ذلك الرجل الوحيد في العرض، فإنه يحضر الأقمشة البيضاء كأكفان، يوازي بأفعاله كل تلك القصص، كي ينذر من جهة أخرى، وينبه من استمرارية الحالة.‏

بوح عميق يبتعد عن السياسة، لكنه كافٍ بحزنه ومأساته الكبيرة كي يلخص أزمة وطن بأكمله، تكالب عليه المتآمرون من كل أصقاع الدنيا، كي يدفع ثمن مقاومته وعزته، هو وأبناؤه الأبرار السوريون، فالعرض يمثل مواجهة وتحديا وصرخات، ترفض كل ما يحدث، وتنبه الجميع، كل إلى مسؤوليته، وما يجب فعله من اجل الوطن، وبما أن الواقع كان بهذا الشكل المأساوي، فقراءته تقول الكثير، وقد اكتفى بتصوير كل هذه الآلام الإنسانية، ووحدها تنطق بالحقائق، فهي تعني الكثير، كي ترفض، وتفضح، تلقائيا الأسباب المؤدية إليها، لأن الصوت الإنساني أبلغ من كل شيء في تعبيراته.(إيمتى رح يطلع الضو) تأليف جماعي، إعداد (ريم شالاتي) وإخراج (حسام شاه) مساهمة فنية (أسامة زيدان) و(خالد القيش)، سينوغرافيا(هبة خصروف).‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية