|
عن موقع : Voltairenet في حين يطالب لبنان بحصته من الغاز الموجود في مياهه الإقليمية . وفي هذا المقال يستكشف الكاتب والصحفي وليم انغدال الآثار المترتبة عن هذا التطور الأساسي الجديد , والذي يعتبر أحد الدوافع الرئيسية لزعزعة استقرار سورية من قبل كل من قطر والدول الغربية . يوحي اكتشاف حقول الغاز والنفط في شرقي المتوسط المهمة , بل والهائلة أيضاً , والواقعة في منطقة لم يتم مسبقاً استكشافها في البحر المتوسط ( بين اليونان , تركيا , قبرص , إسرائيل وسورية ولبنان ) بأن المنطقة ستكون ( منطقة خليج جديدة ) . كما كان الحال بالنسبة لمنطقة الخليج العربي , حيث أصبح اكتشاف الثروات الباطنية من النفط والغاز في أراضيها مرادفاً للعنة جيوسياسية رهيبة على المنطقة . ويمكن أن يحل محل الصراع التاريخي في منطقة الشرق الأوسط معارك جديدة تدور حول النفوذ إلى المصادر البترولية والغازية لمنطقة البحر المتوسط وبلاد الشام وبحر إيجة . وفي مقالتنا الأولى هذه سنستعرض النتائج المترتبة عن اكتشاف الحقل البحري الهائل قبالة السواحل الفلسطينية . وفي المادة الثانية سوف نرى الآثار المترتبة عن الاكتشافات الغازية والنفطية في بحر إيجة بين قبرص وسورية وتركيا واليونان ولبنان . الحدث الذي قلب الأمور , كان الاكتشاف المدهش في المنطقة التي تدعى جغرافياً بلاد الشام . ففي تشرين الثاني من عام 2010 اكتشفت إسرائيل حقولاً بحرية ضخمة من الغاز الطبيعي في منطقة تدعوها منطقة اقتصادية حصرية ZEE . ويقع هذا الحقل المكتشف على بعد حوالي 135 كم إلى الغرب من ميناء حيفا وعلى عمق 5 كم . وأطلقوا عليه اسم ( الطاغوت ) في إشارة إلى اسم الوحش البحري الوارد اسمه في التوراة. وقد أعلنت ثلاث شركات نفط إسرائيلية بالتعاون مع شركة تكسان موبل الأميركية تقديراتها الأولية لحجم المخزون الذي بلغ 450 مليار متر مكعب – ويعتبر ذلك أضخم اكتشاف للغاز في أعماق البحار خلال العشر سنوات الماضية – ودحض هذا الاكتشاف نوعاً ما النظريات المالتوسية حول ( الذروة النفطية ) التي تدعي أن الكرة الأرضية على وشك أن تشهد نضوباً هيكلياً في مادة النفط والغاز والفحم . ومن أجل تعزيز الفكرة , يشكل حقل نفط الطاغوت مخزوناً كافياً لمد إسرائيل بالغاز على مدى قرن من الزمان . وقد كانت مسألة الاكتفاء الذاتي من الطاقة بالنسبة لإسرائيل حلماً صعب المنال منذ تأسيسها عام 1948 . وجرت أعمال استكشاف مراراً وتكراراً , لكن من دون جدوى . على العكس من الدول العربية المجاورة لها الغنية بمصادر الطاقة . وفي عام 2009 , اكتشفت نوبل للطاقة شريك إسرائيل في استكشاف حوض بلاد الشام حقل تامار غرب ميناء حيفا على بعد 80 كم منها , ويحتوي هذا الحقل على 238 مليار متر مكعب من الغاز الطبيعي في أعلى مستويات الجودة . وكان حقل تامار هو أضخم اكتشاف عالمي بالغاز لعام 2009 . وفي ذلك الوقت , كان مجموع احتياطي إسرائيل من الغاز يقدر بنحو 45 مليار متر مكعب . ووفق توقعات تل أبيب سوف ينضب استثمار حقل يام تيتيز , الذي يوفر 70% من الغاز الطبيعي للبلاد في غضون ثلاثة أعوام . ومع اكتشاف حقل تامار اتسعت الآفاق والاحتمالات , حيث وبعد مرور عام واحد فقط , سجلت شركة موبيل للطاقة أهم اكتشاف منذ تأسيسها قبل عقود من السنين مع اكتشافها حقل الطاغوت في نفس حوض بلاد الشام . وبالتالي قفزت تل أبيب من العوز للطاقة إلى الوفرة في غضون بضعة أشهر . وبدأت إسرائيل مع اكتشاف هذين الحقلين تسأل كيف يمكنها أن تصبح دولة رائدة في مجال تصدير الغاز الطبيعي وكيف يمكنها أيضاً تحصيل الضرائب على الدخل من المنتجات النفطية والغاز من أجل بناء الصناديق السيادية التي من شأنها أن يتم استثمارها على المدى الطويل في الاقتصاد الوطني , كما تفعل الصين والعديد من الدول العربية في منظمة أوبك . ويشير الناطق الرسمي لبرنامج موارد الطاقة في معهد الدراسات الجيولوجية في الولايات المتحدة إلى أن منطقة حوض المشرق هو من أضخم مناطق الاستثمار في العالم وأن موارد الغاز فيه هي أكثر أهمية من كل ما شهدناه في الولايات المتحدة. ومع المتوقع أن تؤدي هذه الاكتشافات إلى قلب الموازين الجيوسياسية في كامل المنطقة . وقد كشف برنامج موارد الطاقة الأميركية ( دائرة المسح الجيولوجي ) عن توقعاته الأولية لاحتياطي النفط والغاز في منطقة شرقي المتوسط ( ويشمل حوض بحر إيجة الممتد على قبالة السواحل اليونانية والتركية والقبرصية وحوض شرق المتوسط قبالة السواحل اللبنانية والفلسطينية والسورية وحوض النيل قبالة السواحل المصرية ) وقليل القول إن نتائجهم مثيرة للدهشة . وخلصت دائرة المسح الجيولوجي الأميركية هذه , من خلال استنادها إلى بيانات وعمليات تنقيب ودراسات جيولوجية في المنطقة إلى أن « الموارد البترولية والغازية لحوض شرق المتوسط يقدر مخزونها بحوالي 1,68 مليار برميل نفط و 3450 مليار متر مكعب من الغاز « وعلاوة على ذلك , ووفق نفس التقديرات فإن ( المصادر التي لم يتم اكتشافها بعد من الغاز والنفط في منطقة حوض النيل قبالة السواحل المصرية وحوض بلاد الشام إلى الجنوب يقدر مخزونها بحوالي 1,76 مليار برميل من النفط و6850 مليار متر مكعب من الغاز الطبيعي ) . وقدرت نفس الدائرة مخزون حوض شرق المتوسط بمجمله بحوالي 9700 مليار متر مكعب من الغاز الطبيعي و3,4 مليار برميل من النفط . وبالتالي فالمنطقة تواجه صراعات جديدة محتملة وتحديات جيوسياسية على نحو مفاجىء. ومن أجل وضع هذه الأرقام ضمن منظورها , تشير تقديرات دائرة المسح الجيولوجي إلى أن حوض سيبيريا الغربي – وهو أكبر أحواض الغاز المعروفة – يحوي 18200 مليار متر مكعب من الغاز . بالإضافة إلى ذلك تمتلك منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا العديد من المناطق الغنية بحقول الغاز الطبيعي . وقبل هذا التاريخ ببضعة أشهر وضع الأمن القومي الإسرائيلي ضمن أولوياته ضمان إمدادات طاقة خارجية , بسبب الانخفاض المثير للقلق في إنتاج الغاز المنزلي في البلاد . ويضاف إلى هذه الأزمة مظاهرات ما صار يعرف (بالربيع العربي ) في مصر وليبيا . والتي أدت إلى سقوط الرئيس مبارك , حيث كان يقدم نظامه حوالي 40% من الغاز الطبيعي لإسرائيل . هذا بالإضافة إلى رفع الحظر المفروض على الأحزاب الإسلامية في مصر , بما في ذلك جماعة الإخوان المسلمين والسلفية المتطرفة . علاوة على تعرض خط أنابيب توريد الغاز المصري إلى إسرائيل لعمليات تخريب متكررة واضطرابات , الأمر الذي يجعل إسرائيل قلقة على أمن الطاقة في المستقبل . وأثار اكتشاف حقل الطاغوت قبالة السواحل الفلسطينية , على الفور , صراعاً جيوسياسياً جديداً, حيث احتج لبنان كون جزء من حقل الغاز المذكور يقع ضمن مياهه الإقليمية . وأرسل لبنان شكوى إلى الأمم المتحدة مدعومة بالخرائط . ورد عليها وزير الخارجية ليبرمان قائلاً « لن نتنازل عن شبر واحد». ولكن ما ينذر بخطر في المشهد الطاقي المتوسطي هو أن إسرائيل كما الولايات المتحدة لم توقع مطلقاً على اتفاقية الأمم المتحدة لعام 1982 بشأن قانون البحار , الذي يوزع الحقوق العالمية في موارد البحار . وواضح أن حقول الطاغوت تقع ضمن الأراضي الفلسطينية , ولكن لبنان يحتج أن تلك الحقول تمتد نحو مياهه الإقليمية . ويؤكد حزب الله أن حقل غاز تامار , والذي سيبدأ انتاجه مع نهاية العام الحالي يعود للبنان . ومن جانبها لم تهدر واشنطن وقتها لكي تلعب بورقتها الخاصة في سياسة الطاقة حول نزاع الغاز الطبيعي بين لبنان وإسرائيل . في تموز من عام 2011 , وفي حين كانت تل أبيب تتهيأ للخضوع إلى طلبها الخاص إلى الأمم المتحدة فيما يتعلق بتخطيط الحدود البحرية بين لبنان وإسرائيل , يصرح فريدريك هوف الدبلوماسي الأميركي المكلف بالشأن السوري واللبناني أن بلاده تدعم الوثيقة اللبنانية , وفي هذا صب زيتاً على نار التوتر المتزايد منذ بداية ( الربيع العربي ) بين رئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو والرئيس أوباما . وضمن هذا الإطار . دعا نتنياهو مؤخراً الشخصية الثامنة الأغنى في الولايات المتحدة , صديقه المقرب والملياردير صاحب كازينو لاس فيغاس شيلدون اديلسون إلى ضخ ملايين الدولارات مباشرة في الحملة الانتخابية للجمهوريين . الأمر الذي يشكل تدخلاً إسرائيلياً غير مسبوق ضمن سياق الحملة الرئاسية الأميركية . ويندرج هذا كله ضمن هدف منع فوز اوباما في ولاية ثانية . أي أن القضايا الجديدة المتعلقة بالسيطرة على احتياطي الطاقة الواسع المكتشف قبالة السواحل الفلسطينية واللبنانية , وكذلك سواحل قبرص واليونان وتركيا سوف تلعب دوراً كبيراً في منطقة تعتبر بالفعل واحدة من أكثر المناطق تعقيداً في العالم على الصعيد السياسي . بقلم الصحفي الألماني: وليم انغدال |
|