تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


الواقــــع العربـــي بــين حـــدّي المؤامــــرة والاســــتجابة

شؤون سياسية
الأربعاء 11-11-2009م
د. أحمد الحاج علي

أنهكتنا فكرة المؤامرة واقعاً واحتمالات وتداعياً,أنهكتنا قصة المؤامرة، كان الأصل أن ننهكها، نحاصرها في الموقع ثم نتقدم لاجتثاثها من الأصل، لكن الذي يحدث هو عكس ذلك تماماً ,فالمؤامرة تتوطد بكل أركانها،

ومفاعليها تتطور حتى لتكاد تقترب من قيمنا ومصادر النخوة والكرامة في الجسد العربي المخترق من كل جانب والمسكون بالاختلاط والتناقض والضياع، والمدخل هنا دقيق للغاية لايتعلق بإثبات أو نفي المؤامرة لأن السجالات التي دارت ومازالت تدورحول النفي والإثبات خرجت عن دليلها وصارت تحفر في مسارات العمق وتضخمت إلى الدرجة التي صرنا نكرسها ونسينا أنفسنا ومهامنا ومايترتب علينا في مواجهة فكرة المؤامرة المسمومة، من هنا فإن الأصل هو أن نسترجع وعينا بذاتنا ولذاتنا ونطرح على أنفسنا منظومة من الأسئلة الصعبة والضرورية معاً ومن ذلك، ما طبيعة أفعالنا وردود أفعالنا في الداخل العربي على كل مايراد لنا ويصدر إلينا كمؤامرة وأهداف صارت معروفة تماماً؟ هل امتلكنا العناوين الكبرى والثوابت الأساسية كي نجتمع عليها، نعمقها ونعطيها صلاحية أن تحرسنا من الفرقة والتشظي والضياع؟‏

هل نحن جادون في ترتيب الأولويات والتشبث بمنطق هذا الترتيب بحيث نتعرف إلى وجودنا ونحدد مصادر الخطر الخارجية والداخلية عليه؟ إلى أي مدى نعي نحن العرب أن المؤامرة تبحث عنا وتحاصرنا مادمنا في مرحلة الصمت وفي رحلة التشرد عبر الذاتيات والزواريب والزوايا المستحدثة على الهامش؟ هل ندرك أن لدينا من المقومات الحضارية والمادية والسياسية مايجعلنا هدفاً لكل طامع وعامل جذب وإغراء للباحثين عن الثروة والنهب والسيطرة؟ إلىأي مدى تأكدنا حتى الآن أن الكيان الإسرائيلي عنصر ثابت وجزء عضوي وشرط لازم من الاستراتيجيات الغربية عموماً وتاريخياً؟ إن الأسئلة لاتنتهي وكل جرح يفضي لآخر وكل باب صدئ يتلوه أبواب صدئة أخرى والمهم في الأمر هو أن تتشكل الحدود التي نكتشف من خلالها حقيقة مايجري ونقوّم عبرها مستوى ودرجة وعينا بالخطر القادم بلا هوادة وأن نقوّم بموضوعية بعد ذلك أداءنا العربي العام في بناء مصادر الفعل ورد الفعل على كل مايستهدفنا ويراد لنا، إن الانحياز المطلق والداشر لفكرة المؤامرة هو الذي يلغي كل هذه الأسئلة وعندها نبرر واقع الجهل وحالة الضعف ونحيط المؤامرة بالأساطير والقدريات ونطرح تبريرات نعطيها صفة الموضوعية والعقلانية والواقعية، ذلك هو الخيار الأسهل كما هو واضح أعني حالة السكون والصمت العربي في مواجهة التحديات، وهذا الحال يغطينا نفسياً على مايبدو حيث تحدث الكارثة وكل منّا يلوم الآخر ويتهمه ويدفع به ليكون نقيضاً وعدواً أساسياً فيما بعد، عندها نعفي أنفسنا من مساءلة الوجدان ونهرب من المبادرة إلى ادعاءات مزيفة وننسحب من الميدان الحقيقي إلى مساحات وساحات هي عبارة عن مناطق جذب وحواكير خلفية، ومشهد من الركام الذي تتكون عناصره من الادعاء والبكاء على الأطلال وحجارة يتكئ بعضها على الآخر وحينما نعود للفكرة بأصلها أعني قصة المؤامرة من الخارج سوف نكتشف أن الحاجة صارت في أعلى درجاتها كي نضع الأمور في نصابها بدلاً من أن نضيف للمؤامرة مداميك أخرى من الهزيمة والهذيان السياسي والتسيب الفكري وهنا لابد من طرح الأفكار الثلاث التالية:‏

1- إن المؤامرة الخارجية موجودة بلا انقطاع ولما تتوقف بعد، تجددت وغيرت جلدها أحياناً ولكنها مازالت في أخطر درجات خطرها على العرب والذي يكشفها عادة ويحدد مساراتها هو حالة الوعي والالتزام وهذا مالا يتوافر بنسبة عالية في الداخل العربي، دعونا نقل تكبر المؤامرة حينما نصغر، وتصغر المؤامرة حينما نكبر تصبح التحديات مكشوفة حينما نكتسب الوعي والالتزام وتنداح هذه التحديات بسادية حينما لاتجد أمامها سوى أنماط الجهل وصيغ التعصب وأدوات خطف الحقائق ومايشاكل ذلك من مجافاة للحقيقة والعصر معاً، لعلنا هنا نقول إن الحوار على فكرة المؤامرة غير مجدٍ إلاّ عبر إحاطة المؤامرة نفسها بالمناخ العربي السلبي القائم والفصل بين المسألتين هو عون للمؤامرة من جهة واستعانة بها من جهة أخرى.‏

2- المؤامرة الخارجية بحد ذاتها هي طبيعة مستقرة في كل التاريخ وعند كل الأمم وقد يكون الاستثناء الوحيد هو أن العرب حضارياً وتاريخياً لم يفكروا قط بالتآمر على الآخرين ولكنهم وقعوا في الشرك الصعب حينما تجاهلوا من خلال ذواتهم أن الآخرين، أعني المستعمرين والطامعين، لم ينقطعوا لحظة عن التفكير بالتآمر على العرب وهذا ما أنتج آلية الوعي العربي الراهن بقصة المؤامرة وكانت الاستحقاقات العملية في ذلك تتجسد عبر الصمت أو التأجيل أو الانتظار الذي لاينتهي لماهو قادم وبالمحصلة كانت المبادرة وحيثياتها تقع هناك عند الأجنبي يصممها في عقله ويرسمها بيده ثم يطلقها علينا عسكرياً وثقافياً واقتصادياً وسياسياً، والغريب في الأمر أننا مع الزمن وتحت وطأة الضعف والجهل معاً نعتنق الفكرة المجنونة المحيرة ،أن نطلب العدل من الجلاد ونطلب حياتنا من القاتل ونستجدي من يتآمر علينا كي يحل لنا مصائبنا وعقدنا، حالة يعرفها العالم عنا، يضحك علينا ولاتصيبه عدوى التضامن معنا ومادمنا لا نتضامن مع قضايانا وعناصر مصيرنا.‏

3- إن مناخ الصمت والترهل والتناقض في الداخل العربي والأدوات العربية، وبالطرح الفكري العربي إنما يشكل ذلك مناخاً قاتماً وكاتماً هو الذي يغري عوامل المؤامرة من الخارج أن تتوغل أكثر في ثنايانا ومفاصل حياتنا ، إن غياب الفاعلية العربية إن على مستوى الشعور بالخطر أو على مستوى وعي مايراد لنا وماينفذ من أجزاء مع كل مرحلة هو الذي يقدم للقوى الخارجية عوامل التسهيل وتقنيات الموقف الخاص بهم حتى ليكاد البعض من القوى المعادية للعرب أن يقول مابال هؤلاء القوم لايردون ولايصدون ولايبدون حراكاً ولو في حده الأدنى وبعد أن تهدأ ألسنة السؤال المحير تستأنف القوى المعادية مشوارها في الداخل العربي بمزيد من الأشواط وبكثير من الوقاحة والانكشاف، حينما لاتمتلك شعورك بذاتك فلا تطلب من الآخر أن يشعر أو يستشعر بدلاً منك، هذا الجو الكئيب الساكن المتخبط العربي هو السر في المأساة.‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية