تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


بعد العراق.. حصون أميركية في باكستان!

الغارديان
ترجمة
الأربعاء 11-11-2009م
ترجمة: خديجة القصاب

ماإن أقر مؤخراً كونغرس واشنطن رزمة مساعدات أميركية جديدة للباكستان وصلت إلى 7.5 بلايين دولار حتى شعرت إدارة «أوباما» أنها أخذت على حين غرة وذلك في أعقاب ردود فعل من وصفتهم بمؤيديها «العاقين» في المنطقة كما تراهم واشنطن وسرعان مانددت المعارضة السياسية الباكستانية -كما تلقب- بالاستعمار الأميركي وهيمنة إمبريالية الولايات المتحدة على البلاد،

في حين تحدثت أطراف عسكرية باكستانية مستقلة عن تعرض السيادة الوطنية للإهانة ومهمايكن من أمر تلك الزمرة إلا أن الانتقادات الشعبية الباكستانية المباشرة طالت بشكل أساسي تشييد واشنطن بناءً جديداً للسفارة الأميركية في مدينة اسلام أباد شديد التحصين، تبلغ تكلفته 800 مليون دولار أميركي تعهدت شركة «داين كوربوريشن» بتأمين الحماية اللازمة له.‏

وكانت نشاطات شركات التعهد الأمني المماثلة على غرار « بلاك ووتر» قد اكتسبت سمعة سيئة على امتداد العالم الإسلامي، هذا ويعزم البنتاغون على توسيع رقعة انتشار تلك الحصون القنصلية كما يطلق عليها الإعلام الباكستاني لتشمل كلاً من مدينتي لاهور وبيشاور قريباً.‏

وتفيد تصريحات عدد من المواطنين الباكستانيين عقب تلاوة قرار الكونغرس الأميركي بتقديم حزمة من المساعدات المالية للباكستان وخلال نقاش بث عبر إحدى أقنية التلفزيون الأميركي أن لدى إدارة البيت الأبيض رغبة باستعمار بلادنا واحتلالها، فمن السهولة بمكان تصديق ماذكر خلال هذا النقاش وخاصة أن شركة «بلاك ووتر» المعروفة بدورها المشبوه في حفظ الأمن في العراق تعمل على إقامة عدة معسكرات لها في مدننا ولن تخضع تلك الشركة لأي قوانين تنص عليها الدساتير الباكستانية في حال ارتكبت عناصرها مخالفة ما، هذا بالإضافة لوجود مئات من قوات المارينز الأميركية المتمركزة فوق أراضينا يسمح لأفرادها بالدخول إلى باكستان دون الحصول على تأشيرات أو دفع رسوم لذلك. وتتابع تلك التصريحات: كيف لنا ألا نصدق ماقيل وها هو مبنى السفارة الأميركية الجديدة ينهض في العاصمة اسلام أباد وستشكل السفارة المذكورة نواة لوزارة دفاع أميركية مصغرة أي «مبنى بنتاغون» في الباكستان وتقول جهات مسؤولة في واشنطن: إن هناك حاجة لمنح مثل تلك التسهيلات للقوات الأميركية نظراً لأن العقود القديمة المبرمة مع الجانب الباكستاني لم تعد صالحة اليوم فهي غير آمنة ويجب أن تنسجم نصوصها مع سياسة تبناها أوباما مؤخراً ترمي إلى الدفاع عن الديبلوماسيين وأعداد من المسؤولين الأميركيين الذين يدخلون ويخرجون من أفغانستان إلى باكستان وبالعكس، ويعكس الانتشار الأميركي في اسلام أباد وعدة مدن باكستانية تطورات مماثلة في عواصم أجنبية وإسلامية أخرى تشكل مواقع لحروب البنتاغون الطويلة الأمد ضد مادعته واشنطن بالإرهاب والتطرف، فقد عمدت الولايات المتحدة منذ الهجوم الذي تعرضت له سفارتاها في كل من نيروبي ودار السلام عام 1988 على يد جماعة القاعدة إلى بناء 68 سفارة أميركية جديدة في مناطق متفرقة من العالم ومنحت التسهيلات اللازمة لذلك منذ 2001 وهناك 29 سفارة أخرى قيد الإنشاء والإعمار- حسبما أفاد مكتب وزارة الخارجية الأميركية لعمليات البناء لما وراء البحار- ليصل إجمالي الإنفاق في عملية استكمال بناء السفارات الأميركية على الصعيد الدولي إلى 17،5 بليون دولار في الوقت الراهن، وتنشط أطراف عسكرية أميركية في تشييد قنصليات محصنة ذات صبغة ديبلوماسية في كل من كابول وبغداد والقاهرة وجاكرتا إلى جانب مدن دولها حليفة للولايات المتحدة على غرار لندن وبرلين، بالإضافة إلى تدعيم وتوسيع قلاع وحصون تشبه السفارات تعمل كمراكز إقليمية خارجية في مجال الاستخبارات وجمع المعلومات العسكرية السرية لتشكل رموزاً متحركة مثيرة للجدل بالنسبة لدولة عظمى تدعى الولايات المتحدة وتكاد تلك القواعد العسكرية الأمامية المتقدمة التي تشيدها واشنطن منذ مطلع القرن الواحد والعشرين تكون صورة معاصرة لنظيرتها المشيدة أيام حملات الفرنجة الملقبة بالصليبية وتؤكد تلك الأخيرة وبشكل صريح على وجود مشروع عسكري أميركي واسع النفوذ هدفه الهيمنة على المناطق الاستراتيجية من العالم.‏

وتواجه تلك الحصون الحديثة التي تشيد في الباكستان على سبيل المثال انتقادات شعبية شديدة نظراً لما تثيره من قلق وانزعاج في الشارع هناك.. وتعتبر السفارة الأميركية التي بنيت في بغداد من أضخم السفارات الأميركية في العالم إذ بلغت تكلفة تشييدها 700 مليون دولار أميركي ويتجاوز عدد موظفيها 1200 عنصر لتغطي مساحة قدرها 104 آلاف متر مربع.‏

أما السفارة الأميركية في كابول فوصلت نفقات إقامتها إلى مايزيد عن 86 مليون دولار لتمتد فوق مساحة تتراوح بين30 و40 ألف متر مربع وتثير تلك المباني الانزعاج وعدم الارتياح في الأوساط الشعبية الأفغانية والعراقية على حد سواء وذلك إثر نشر صور تبرز حراس السفارتين الأميركيتين وهم يمارسون أفعالاً مخلة بالآداب ويتبادلون كؤوس المشروبات الكحولية كالفودكا فيما بينهم وظهروا في صور أخرى وهم يرقصون عراة حول نيران مشتعلة، وتشرف شركة أميركية مهامها أمنية تدعى مجموعة «ارمور» على عمليات توظيف حراس السفارات المذكورة.‏

وكانت مبادرة عزل المسؤولين من سفارات واشنطن الأحدث في عواصم دول حليفة للولايات المتحدة لعدد من طواقم موظفيها وراء اندفاع البيت الأبيض لإعادة النظر في سياساته العسكرية، فالمشكلات الأمنية تأتي في مقدمة اهتمامات واشنطن على صعيد السياسة الخارجية لكن انتشار القلاع والحصون الديبلوماسية الأميركية على نطاق واسع قوض بشكل عميق ركناً من القوة الديبلوماسية الناعمة التي دشنها أوباما منذ توليه السلطة.‏

ففي حزيران الماضي أكدت وزيرة خارجية الولايات المتحدة هيلاري كلينتون حاجة بلادها للتواصل بشكل مباشر مع دول أخرى انطلاقاً من قاعدة الهرم السياسي لكن لم تصل تلك الرسالة إلى مسامع المواطنين في إسلام أباد، إذ عندما تتحدث واشنطن إلى الباكستانيين وسواهم من الشعوب الإسلامية فإن صوتها يصم الآذان ويرتفع فوق أصوات المتحدثين والمستمعين ليمنعهم من الكلام.‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية